الثالث الإنفاق في الجهاد ، والإلقاء إلى التهلكة الخروج بغير زاد.
الرابع الإلقاء باليد إلى التهلكة : الاستسلام في الحرب أي لا تستسلموا للأسر.
الخامس أنه الاشتغال عن الجهاد وعن الإنفاق فيه بإصلاح أموالهم.
روى الترمذي عن أسلم أبي عمران قال : كنا بمدينة الروم (القسطنطينية) فأخرجوا إلينا صفا عظيما من الروم فخرج إليهم من المسلمين مثلهم فحمل رجل من المسلمين على صف للروم حتى دخل فيهم فصاح الناس وقالوا : سبحان الله يلقي بيديه إلى التهلكة ، فقام أبو أيوب الأنصاري فقال : يا أيها الناس إنكم تتأوّلون هذه الآية هذا التأويل وإنما أنزلت فينا معاشر الأنصار لما أعزّ الله الإسلام وكثر ناصروه قال بعضنا لبعض سرا دون رسول الله : إن أموالنا قد ضاعت وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها فأنزل الله على نبيه يرد علينا ما قلنا : (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو ا ه ، والآية تتحمل جميع المعاني المقبولة.
ووقوع فعل (تُلْقُوا) في سياق النهي يقتضي عموم كل إلقاء باليد للتهلكة أي كل تسبب في الهلاك عن عمد فيكون منهيا عنه محرما ما لم يوجد مقتض لإزالة ذلك التحريم وهو ما يكون حفظه مقدما على حفظ النفس مع تحقق حصول حفظه بسبب الإلقاء بالنفس إلى الهلاك أو حفظ بعضه بسبب ذلك. فالتفريط في الاستعداد للجهاد حرام لا محالة لأنه إلقاء باليد إلى التهلكة ، وإلقاء بالأمة والدين إليها بإتلاف نفوس المسلمين.
وقد اختلف العلماء في مثل هذا الخبر الذي رواه الترمذي عن أبي أيوب وهو اقتحام الرجل الواحد على صف العدو فقال القاسم بن محمد (من التابعين) وعبد الملك بن الماجشون وابن خويزمنداد (من المالكية) ومحمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة : لا بأس بذلك إذا كان فيه قوة وكان بنية خالصة لله تعالى وطمع في نجاة أو في نكاية العدو أو قصد تجرئة المسلمين عليهم ، وقد وقع ذلك من بعض المسلمين يوم أحد بمرأى النبيصلىاللهعليهوسلم ، فإن لم يكن كذلك كان من الإلقاء إلى التهلكة.
وقوله تعالى : (وَأَحْسِنُوا) الإحسان فعل النافع الملائم ، فإذا فعل فعلا نافعا مؤلما لا يكون محسنا فلا تقول إذا ضربت رجلا تأديبا : أحسنت إليه ولا إذا جاريته في ملذات مضرة أحسنت إليه ، وكذا إذا فعل فعلا مضرا ملائما لا يسمى محسنا.