والباء في قوله : (بِالشَّهْرِ الْحَرامِ) للتعويض كقولهم : صاعا بصاع وليس ثمة شهران بل المراد انتهاك الحرمة منهم ومنكم وهما انتهاكان.
والتعريف في الشهر هنا في الموضعين يجوز أن يكون تعريف الجنس وهو الأظهر ، لأنه يفيد حكما عاما ويشمل كل شهر خاص من الأشهر الحرم على فرض كون المقصود شهر عمرة القضية ، ويجوز أن يكون التعريف للعهد إن كان المراد شهر عمرة القضية.
والأشهر الحرم أربعة : ثلاثة متتابعة هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، وحرمتها لوقوع الحج فيها ذهابا ورجوعا وأداء ، وشهر واحد مفرد وهو رجب وكان في الجاهلية شهر العمرة وقد حرّمته مضر كلها ولذلك يقال له : رجب مضر ، وقد أشير إليها في قوله تعالى : (مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) [التوبة : ٣٦].
وقوله : (وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) تعميم للحكم ولذلك عطفه ليكون كالحجة لما قبله من قوله : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ) [البقرة : ١٩١] وقوله: (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ) إلخ ، فالجملة تذييل والواو اعتراضية. ومعنى كونها قصاصا أي مماثلة في المجازاة والانتصاف ، فمن انتهكها بجناية يعاقب فيها جزاء جنايته ، وذلك أن الله جعل الحرمة للأشهر الحرم لقصد الأمن فإذا أراد أحد أن يتخذ ذلك ذريعة إلى غدر الأمن أو الإضرار به فعلى الآخر الدفاع عن نفسه ، لأن حرمة الناس مقدمة على حرمة الأزمنة ، ويشمل ذلك حرمة المكان كما تقدم في قوله تعالى : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ) [البقرة : ١٩١] ، والإخبار عن الحرمات بلفظ (قصاص) إخبار بالمصدر للمبالغة.
وقوله : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) تفريع عن قوله : (وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) ونتيجة له ، وهذا وجه قول «الكشاف» : إنه فذلكة ، وسمي جزاء الاعتداء اعتداء مشاكلة على نحو ما تقدم آنفا في قوله : (فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) [البقرة : ١٩٣].
وقوله : (بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) يشمل المماثلة في المقدار وفي الأحوال ككونه في الشهر الحرام أو البلد الحرام.
وقوله : (وَاتَّقُوا اللهَ) أمر بالاتقاء في الاعتداء أي بألا يتجاوز الحد ، لأن شأن المنتقم أن يكون عن غضب فهو مظنة الإفراط.
وقوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) افتتاح الكلام بكلمة اعلم إيذان بالاهتمام بما