والظاهر هو القول المشهور المؤيد بالأدلة المذكورة ، واما ما يدل على مذهب المرتضى (رضياللهعنه) فقد أجاب في المختلف عن الآية الأولى بأن حقيقة القرب ليست مرادة بالإجماع فيحمل على المجاز المتعارف وهو الجماع في القبل لان غيره نادر ، وعن الثانية بأنه يحتمل ارادة موضع الحيض بل هو المراد قطعا فان اعتزال النساء مطلقا ليس مرادا بل اعتزال الوطء في القبل. أقول : اما ما أجاب به عن الاولى فهو جيد ، لما عرفت في غير موضع من ان الإطلاق انما ينصرف الى الافراد الشائعة المتكررة وبعد تعذر الحمل على الحقيقة فالفرد المتكرر انما هو الجماع في القبل ، ويؤيده ما ذكره المفسرون في سبب النزول من ان اليهود كانوا يعتزلون النساء فلا يواكلوهن ولا يباشروهن مدة الحيض فسئل النبي (صلىاللهعليهوآله) عن ذلك فنزلت هذه الآية فقال النبي : «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» (١) واما ما أجاب به عن الثانية فتوضيحه ان الظاهر ان المحيض هنا اسم مكان بمعنى موضع الحيض كالمبيت والمقيل واحتمال كونه مصدرا أو اسم زمان يوجب الإضمار والتخصيص للإجماع على عدم وجوب اعتزالهن بالكلية. وأيده بعضهم بان الحكم بالاعتزال على تقدير ان يكون اسم زمان أو مصدرا لا يشمل ما بعد زمان الحيض بوجه فكان منتهاه معلوما فتقل الفائدة في قوله تعالى : «حَتّى يَطْهُرْنَ».
واما الأخبار فالجواب عنها من وجوه : (أحدها) ـ انها معارضة بما هو أكثر عددا وأصرح دلالة فيجب الجمع بينهما بحمل هذه الروايات على كراهة ما تحت الإزار و (ثانيها) ـ ان قصارى ما دلت عليه هذه الاخبار ان له الاستمتاع بما فوق المئزر ونحن نقول به ، ودلالتها على تحريم ما عداه انما هو بمفهوم اللقب وهو ضعيف كما قرروه في الأصول. و (ثالثها) ـ ان المراد بما يحل هو المعنى المتعارف عند الفقهاء والأصوليين وهو ما يتساوى طرفاه المرادف للمباح ، ولا ريب ان نفيه لا يستلزم الحرمة لجواز إرادة الكراهة ، ونحن لا نخالف فيها جمعا بين الأدلة لان من حام حول الحمى
__________________
(١) رواه البغوي في مصابيح السنة ج ١ ص ٣٨ وغيره.