المعروف بالراعى ، أحد زهّاد الدنيا ، سمع قارئا يقرأ (١)(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)(٢) ، فذهب فارّا على وجهه ، ثم عاد بعد عام (٣) فقيل له : لم هربت؟ قال : من هذا الحساب الدقيق.
وروى زيد بن الحبّال المقرئ عن سفيان الثورى ، قال : خرجت حاجّا أنا وشيبان الراعى ، فلما كنا فى بعض الطريق عارضنا أسد ، فقلت لشيبان : أما ترى هذا الكلب قد عرض لنا (٤)؟ فقال : لا تخف. فما هو إلّا أن سمع كلام شيبان فبصبص (٥) وضرب بذنبه مثل الكلب. فالتفت إليه شيبان وعرك أذنه [فولّى هاربا](٦) فقال له سفيان : ما هذه الشهرة؟ فقال : وأى شهرة يا ثورىّ؟ لو لا كراهة الشهرة ما حملت زادى إلى مكة إلّا على ظهره!
وقيل : إن رابعة العدوية مرّت به وقالت له : إنى أريد الحج (٧) إلى بيت الله الحرام. فأخرج لها من جيبه ذهبا وقال لها : اجعلى هذا فى مصلحتك للحج. فمدّت يدها إلى [الهواء](٨) وقالت : أنت تأخذ من الجيب ، وأنا آخذ من الغيب ، وإذا كفها مملوء ذهبا ، فمضى معها على التوكل.
ومرّ الشافعى هو وأحمد بن حنبل ـ رضى الله عنهما ـ على شيبان ، رضى الله عنه ، فأراد الشافعى أن يقصد إليه للسلام عليه ، فقال له أحمد (٩) : إنّ
__________________
(١) فى «ص» : «قرىء عليه».
(٢) سورة الزلزلة ـ الآيتان ٧ و ٨.
(٣) فى «ص» : «فذهب على وجهه ، فلم ير سنة ، فلما كان بعد السّنة رئى».
(٤) «لنا» عن «ص».
(٥) فى «م» و «ص» : «بصبص» أى : حرّك ذيله.
(٦) ما بين المعقوفتين عن السخاوى.
(٧) فى «م» : «أريد منك الحج» وما أثبتناه عن السخاوى.
(٨) ما بين المعقوفتين عن السخاوى ولم ترد فى «م».
(٩) فى «م» : «فقال أحمد والمزنى».