فقال : افتح الختمة ، ففتحها ، فوجد الليث سورة الرحمن ، فاستدلّ على صدق الرشيد ، فقال : اقرأ ، فقرأ إلى أن وصل إلى قوله تعالى : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ)(١). فقال : هل لك كلام بعد الشاهد الأول والثانى؟ قد أثبت الله لك جنّتين!
ففرح الرشيد ودخل على زبيدة ، وفرح أهل الدار فرحا شديدا ، ثم خرج الرشيد إليه فقال : تمنّ علىّ. فقال : إنّ فى مصر عمالة (٢) بكذا وكذا من الدّنانير فى كل يوم ، أن تستعملنى بأجرة العمال. فقال الرشيد : هى لك بجميع غلّتها. ثم قال : هل تريد شيئا آخر؟ قال : نعم. قال : ما تريد؟ قال : أريد أن تدفع لى هذين الأستاذين ـ وهما على رأس الرشيد ـ فقال : خذهما.
هل بقى لك حاجة؟ قال : نعم ، تكتب لى كتابا ألّا يكون لأحد من عمّال مصر ، ولا من رؤسائها فى الديار المصرية معى كلمة. فكتب له بذلك. ثم تجهّز ورجع إلى مصر ـ رحمة الله عليه.
وكان من كرمه ما هو مشهور ، وكان يقول : سقم الأبدان بالأوجاع ، وسقم القلوب بالذنوب ، فكما لا يجد (٣) الجسد لذّة الطعام عند السّقم (٤) ، كذلك لا يجد القلب لذّة العبادة مع الذنوب. حكى ذلك عنه يحيى بن معاذ الرازى.
وقال ابن النحوى : صودر رجل فى زمنه بمصر ، ونودى على داره ، فبلغت أربعة آلاف درهم ، فاشتراها الليث ، وبعث يونس بن عبد الأعلى لأخذ المفاتيح ، قال يونس : فذهبت لآخذ المفاتيح فوجدت فى الدار أطفالا وعائلة
__________________
(١) سورة الرحمن ـ الآية ٤٦.
(٢) العمالة : أجرة العامل ، وحرفته. والمراد بها هنا ما تغله هذه العمالة من خراج ، ففى وفيات الأعيان : «فأقطعه ـ أى هارون الرشيد ـ قطائع كثيرة بمصر. [انظر الوفيات : ج ٤ ص ١٢٩].
(٣) فى «م» : «لا تجد». فى الموضعين.
(٤) فى «م» : «القسم» تحريف.