بالسكوت عن مطالبته بالجزية ، والإمتناع عن مواجهته بالحرب ..
فظهر مما ذكرناه : أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أظهر أنه سيكون رفيقا بقيصر محسنا إليه ، إذا كف قيصر عن ممارسة القهر والظلم لشعبه ، وتخلى عن مصادرة حرياتهم ..
حكم الإسلام واحد :
وقد كان الملوك ولا يزالون يميزون أنفسهم عن رعاياهم ، ويرون أنه يحق لهم ما لا يحق لغيرهم .. ولكن حكم الإسلام هو أنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى ، ولا فرق بينهم في العبادات ، ولا في المعاملات ، ولا في الحقوق ، ولا في الحدود ..
وعلى هذا الأساس جاء قول رسول الله «صلى الله عليه وآله» في رسالته إلى هرقل : «فإن أسلمت فلك ما للمسلمين ، وعليك ما عليهم» ، ولم يقل له : إن أسلمت فلك كذا وكذا من المال ، أو أنني أجعلك وزيرا لي ، أو أوليك على البلد الفلاني ، أو ما شاكل ذلك ..
الخطاب لهرقل دون سواه :
واللافت في هذه الرسالة ، وسائر رسائله إلى الملوك : أنه «صلى الله عليه وآله» يخاطب أولئك الملوك بما هم أفراد ، فيميزهم بذلك عن غيرهم من الناس ، فهو لم يكتب لقيصر مثلا عبارة : أسلموا تسلموا ، أو إن أسلمتم فلكم كذا ، وإن امتنعتم ، فعليكم كذا ، بل قال له هو : أسلم تسلم ، وقال : فإن أسلمت الخ ..
وذلك أولا : لأنه لا يريد أن يعترف له بأنه يمثل أحدا من الناس ، حتى