وإن جميع الروايات ، وجميع الرواة الذين تعرضوا لهذا الأمر قد صرحوا برجوعه إلى المدينة ، باستثناء راو واحد ورواية واحدة.
وإن ثلاثة من الرواة قد ناقضوا أنفسهم في ذلك .. فلا اعتداد بروايتهم هذه ، لأن روايتهم الأخرى مؤيدة بسواها ..
رابعا : لنفترض : أن أهل الأخبار ـ كما قال القاضي عبد الجبار ـ قد ذكروا تولية أبي بكر للموسم. فإذا كانوا كلهم من محبي أبي بكر ، ومن المدافعين عنه ، بكل قوة وحول ويسعون لتبرئته ، ولدفع الطعون عنه.
وإذا كانت جميع الروايات التي رووها هم لنا تخالف قولهم هذا ، مع تناقض باقيها فيما ينقله سوى رواية واحدة ـ وإذا كان الأمر كذلك ـ فإننا نفقد ثقتنا بهم ، ونشك في اعتمادهم سبيل الإنصاف ، وسنرى : أنهم متحيزون بلا حجة ولا دليل ، بل الدليل والحجة والرشد في خلافهم ..
خامسا : ويرد على القول : بأن رجوع أبي بكر لا يدل على العزل : أن المدعي لبقائه أميرا على الموسم هو الذي ربط بين الأمرين ، واعتبر أن قبوله برجوع أبي بكر معناه إسقاط أبي بكر عن ولاية الموسم ..
وهو محق في ربطه هذا ، لأن الرواية التي اعتمد عليها ، وهي رواية أبي جعفر. ورواية ابن عباس المتناقضة تقولان : إن عليا «عليه السلام» وأبا بكر مضيا إلى مكة ، ولم يرجع أبو بكر إلى المدينة ، فإن ثبت رجوعه ، فذلك يكون دليلا آخر على عدم سقوط هاتين الروايتين عن الإعتبار ، يضاف إلى سائر الأدلة على ذلك.