وإمّا لأنّ تلك الأحاديث فيها الكثير ممّا قاله النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في فضل عليّ عليهالسلام وعظم شأنه ، فلو سوّغت كتابة الأحاديث وأحاط بها الناس علماً وتناقلها المسلمون في شتّى الأقطار ، لأدّت إلى ظهور الإمام عليهالسلام على سائر الصحابة ، وكونه الأحقّ في تسنّم منصب الخلافة بعد الرسول وفي ذلك ما فيه من الخطر على من تسنّموا عرشها بغير حقّ وبغير دليل.
فلو كان كتابة الحديث وضبطه في الصحائف والجلود أمراً مرغوباً عنه فلماذا أملى النبيّ بنفسه كتباً في الشرائع والأحكام وجهّز بها رسله وعماله في الأقطار المفتوحة.
ولو كان نهي النبيّ بمرأى ومسمع من أصحابه وأنصاره ، فلماذا استفتى عمر أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في ذلك فأشاروا عليه أن يكتب فطفق عمر يستخير الله شهراً ثمّ أصبح يوماً وقد عزم الله له فقال : إنّي كنت اُريد أن أكتب السنن وإنّي ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً فأكبّوا عليها وتركوا كتاب الله وإنّي والله لا أشوب كتاب الله بشيء أبداً ولا اُلبس كتاب الله بشيء أبداً (١).
والعذر الذي جاء به الخليفة في كلامه يشبه ما في كلام بعضهم في تفسير نهي النبيّ عن الكتابة من أنّ نهيه صلىاللهعليهوآلهوسلم عن كتابة الحديث كان لخوفه صلىاللهعليهوآلهوسلم من اختلاط الحديث بالقرآن.
ولا يخفى ما فيه من الخبط والخطأ فإنّ ما يفسده أكثر ممّا يصلحه إذ معنى ما ذكره هو إبطال معجزة القرآن وهدم اُصولها من القواعد ، وإنّ معنى ذلك كون بلاغة القرآن والحديث والخطب المرويّة من باب واحد هو باطل ، والله سبحانه يقول : ( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) ( الإسراء : ٨٨ ).
وقد حقّق في محلّه أنّ القرآن وحي بلفظه ومعناه ، لا يشبه كلام الإنسان من حيث
__________________
(١) رواه الكاتب المتتبع المعاصر أبو ريّه عن الحافظ بن عبد ربه والبيهقي في أضواء على السنّة المحمديّة ص ٤٣.