وليس بمملوك لأحد أو مستعبد لآخر.
والحريّة بهذا المعنى حقّ طبيعيّ لكلّ إنسان ، لا أنّه أمر خاضع للوضع والجعل ليمكن إعطاؤه أو منعه ، خلاف ما اعتقده بعض الفلاسفة الذين مضوا حيث كانوا يعتقدون بأنّ الله خلق الناس صنفين عبيداً وأحراراً. وأنّ السود هُم العبيد الذين زودهُم الله بقوة أكبر لخدمة الأحرار وأنّهم محرومون من كلّ ما يتمتّع به الأحرار من امتيازات وحقوق.
وقد اعترف الإسلام بهذه الحريّة لكلّ إنسان ونادى بها ، ودعا إلى احترامها وحمايتها قال الإمام عليّ عليهالسلام : « لا تكُن عبد غيرك وقد جعلك الله حُرّاً » (١).
وألغى كلّ الفوارق المزعومة بين الناس وردّ الجميع إلى أصل واحد حيث قال الإمام عليّ عليهالسلام : « أيُّها النّاسُ أنّ آدم لم يلد سيّداً ولا أمةً وإنّ النّاس كُلُّهُم أحرار » (٢).
وهذا هو أصل نادت به جميع الرسالات الإلهيّة من قبل ، فها هو القرآن الكريم يحدّثنا كيف اعترض موسى عليهالسلام على فرعون استعباده لبني إسرائيل لمّا منّ فرعون على موسى بتربيته له ، وعنايته به مذ كان صغيراً وقال : ( أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا ) ( الشعراء : ١٨ ) فقال موسى : ( وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) ( الشعراء : ٢٢ ).
وهذا يعني أنّ النعم مهما كانت كبيرة وعظيمة لا تساوي شيئا إذا سلب الإنسان حريّته.
ولأجل ذلك يوبّخ الله سبحانه أهل الكتاب على خضوعهم لأحبارهم ورهبانهم واتّخاذهم أربابا وأسياداً من دون الله إذ يقول : ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَٰهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) ( التوبة : ٣١ ).
__________________
(١) روضة الكافي : ٩.
(٢) مرّ مصدر هذا الحديث.