الحربين الكونيتين الاُولى والثانية زادت من قلق الإنسان وخوفه واستيحاشه وعمّقت لديه النفرة والخشية من الحرب ، لأنّهما كانتا ـ بحقّ ـ أشدّ جميع الحروب ضراوة ووحشيّة في تاريخ البشريّة !!! وكانتا سبباً لمقتل ملايين عديدة من البشريّة الأبرياء على أيدي البشر أنفسهم ، وكانتا سبباً لإهدار ملايين الملايين من ثرواته بحيث بلغت الأضرار البشريّة في الحرب العالميّة الاُولى وحدها ما يقارب (٩) ملايين قتيل و (٢٢) مليون مُقعد ومعوّق حرب و (١٠) ملايين من مفقودي الأثر !!!
وأمّا خسائر الحرب العالميّة الثانية فقد كانت ـ بحكم كونها أشدّ ضراوة ووحشيّة ـ أضخم من الاُولى بحيث قدر عدد الأرواح التي زهقت بثلاثين مليوناً فيما قاربت الخسائر الماديّة المليارد دولاراً على وجه التقريب !!!
كلّ هذه المذابح الرهيبة والخسائر الجسيمة في الأرواح والمعدّات التي أفرزتها الحرب الاُولى ، سببّت ظهور هيئة دولية باسم « عصبة الاُمم » التي تأسّست في أعقاب تلك الحرب واتّحد فيها ٢٦ دولة ليمنعوا ـ في ظل هذا الاتحاد والتجمّع ـ من إراقة المزيد من الدماء ، ويتمكّنوا في ظل هذه المنظمة الدوليّة من حلّ المشكلات العالميّة عن طريق المفاوضات لا الحروب ، وعن طريق المنطق المبرهن لا السلاح المدمّر ، بيد أنّ تأسيس هذه المنظمة حيث كان ناقصاً وفاقداً لبعض الاُمور والشرائط لذلك لم تستطع تجنيب العالم من شرور حرب اُخرى ... فقد تورّطت البشريّة في حرب أكثر دماراً ، وفناء هي الحرب العالميّة الثانية (١) التي أنهكت البشريّة بنيران دباباتها وقنابلها وأسلحتها الفتّاكة المدمّرة وانتهت بمذبحة عظيمة ، ومفجعة ، ورهيبة وإلى تحول سياسيّ وانقلاب فكريّ في كثير من القيم الحضاريّة والمعايير والأفكار السائدة آنذاك.
وفي خلال الحرب الثانية ـ هذه ـ تأكّدت فكرة تأسيس منظمة عالميّة ، ومجمع دولي على اُسس أكثر واقعيّة ، وفي إطار أكثر شموليّة فبرزت ـ إلى الوجود ـ « هيئة الاُمم المتّحدة » التي وضعت نواتها في ديسمبر عام ١٩٤٣ واستطاعت منذئذ أن تحول دون
__________________
(١) يراجع كتاب الحرب العالمية الاُولى والثانية.