مدينة الموصل
وهي مدينة عتيقة كثيرة الخصب ، وقلعتها المعروفة بالحدباء عظيمة الشأن شهيرة الامتناع عليها سور محكم البناء مشيّد البروج (٢٦٤) ، وتتّصل بها دور السلطان وقد فصل بينهما وبين البلد شارع متّسع مستطيل من أعلى البلد إلى أسفله وعلى البلد سوران اثنان وثيقان (٢٦٥) أبراجهما كثيرة متقاربة ، وفي باطن السور بيوت بعضها على بعض مستديرة بجداره قد تمكّن فتحها فيه لسعته ، ولم أر في اسوار البلاد مثله ، إلّا السور الذي على مدينة دهلى حضرة ملك الهند.
وللموصل ربض كبير فيه المساجد والحمّامات والفنادق والاسواق ، وبه مسجد جامع على شطّ الدجلة تدور به شبابيك حديد وتتّصل به مصاطب تشرف على دجلة ، في نهاية من الحسن والاتقان (٢٦٦) ، وأمامه مارستان وبداخل المدينة جامعان أحدهما قديم والآخر حديث (٢٦٧) ، وفي صحن الحديث منهما قبة داخلها خصّة رخام مثمّنة مرتفعة على سارية رخام يخرج منها الماء بقوّة وانزعاج ، فيرتفع مقدار القامة ثم ينعكس فيكون له مرأى حسن.
وقيساريّة الموصل مليحة (٢٦٨) لها أبواب حديد ويدور بها دكاكين ، وبيوت بعضها فوق بعض متقنة البناء.
__________________
(٢٦٤) شيدت القلعة من جديد من طرف الأتابك عماد الدين زنكي ٥٢١ ـ ٥٤١ ١١٢٧ ـ ١١٤٦ مؤسس الدولة التي خلفت السلاجقة .. واستمرت القلعة صامدة إلى أن وصل التتر عام ٥٥٤ ١٢٥٩. ولم يخربوها ... اسم الحدباء هو اسم شاعري استعمل في مقابلة الشهباء على قلعة حلب عاصمة نور الدين زنگى ابن عماد الدين ...
(٢٦٥) يتعلق الامر بالقلعة القديمة المبنية شمال القلعة التركية التي شيدت فيما بعد على حدبة ، منها أخذت اسمها منارة الحدباء ...
(٢٦٦) يذكر أن أحد الأمراء الذين حكموا المدينة ويحمل اسم مجاهد الدين بنى فيها عام ٥٧٦ ١٨٠ مسجدا أساسيا على ساحل دجلة ، لم ير مثله أبدا أناقة وروعة ، وقبالة هذا المسجد يرتفع" مارستان حفيل" بنى كذلك من قبل الامير مجاهد الدين. هكذا يقول ابن جبير ـ صفحة ١٨٨ ـ سعيد الديوه جي : بحث في تراث الموصل، ١٩٨٢.
(٢٦٧) الجامع القديم كان هو المسجد الأموي الذي وسع من قبل مروان الثاني ١٢٦ ـ ١٣٣ ٧٤٤ ـ ٧٥٠ ، والجامع الثاني بنى عام ٥٦٥ ـ ٥٦٧ ١١٧٠ ـ ١١٧٢ من طرف نور الدين وهو المعروف بالجامع الكبير وقد صلح حديثا ، وابن بطوطة هنا يصلح خطا وقع فيه ابن جبير عندما قال ان القبة والخصة كانتا في الجامع القديم ص ١٨٩ رحلة ابن جبير.
(٢٦٨) بنى نفس الأمير مجاهد الدين بمدينة الموصل وفي داخل سوقها قيسارية للتجار كأنها الخان العظيم على ما ورد في رحلة ابن جبير ...