العظمى وبلاد الروس وبلاد الجركس (٢٩) ، وذكر أن عهده بالأندلس منذ أربعة اشهر ، وأخبرني التجار المسافرون الذين لهم المعرفة بذلك بصحّة مقالة.
ورأيت بهذه البلاد عجبا من تعظيم النساء عندهم وهنّ أعلى شأنا من الرجال ، فأما نساء الأمراء فكانت أوّل رؤيتي لهنّ عند خروجي من القرم رؤية الخاتون زوجة الأمير سلطيه في عربة لها ، وكلّها مجلّلة بالملف الأزرق الطيب ، وطيقان البيت مفتوحة وأبوابه ، وبين يديها أربع جوار فاتنات الحسن ، بديعات اللّباس وخلفها جملة من العربات فيها جوار يتبعنها ، ولمّا قربت من منزل الأمير نزلت عن العربة إلى الارض ونزل معها نحو ثلاثين من الجواري يرفعن أذيالها ، ولأثوابها عرى تأخذ كل جارية بعروة ويرفعن الأذيال عن الأرض من كلّ جانب ، ومشت كذلك متبخترة فلمّا وصلت إلى الأمير قام إليها وسلّم عليها وأجلسها إلى جانبه ، ودار بها جواريها ، وجاءوا بروايا القمزّ فصبّت منه في قدح وجلست على ركبتيها قدّام الأمير وناولته القدح ، فشرب ثمّ سقت أخاه ، وسقاها الأمير ، وحضر الطعام فأكلت معه وأعطاها كسوة وانصرفت ، وعلى هذا الترتيب نساء الأمراء ، وسنذكر نساء الملك فيما بعد.
وأمّا نساء الباعة والسوقة فرأيتهنّ ، وإحداهنّ تكون في العربة والخيل تجرّهن ، وبين يديها الثلاث والأربع من الجواري يرفعن أذيالها وعلى رأسها البغطاق (٣٠) ، وهو أقروف (٣١) ، مرصّع بالجوهر ، وفي أعلاه ريش الطواويس ، وتكون طيقان البيت مفتحة ، وهي بادية الوجه لأنّ نساء الأتراك لا يحتجبن ، وتأتي إحداهن على هذا الترتيب ومعها عبيدها بالغنم واللبن فتبيعه من النّاس بالسلع العطريّة ، وربّما كان مع المرأة منهن زوجها فيظنّه من يراه بعض خدّامها ، ولا يكون عليه من الثياب الا فروة من جلد الغنم وفي رأسه قلنسوة تناسب ذلك يسمونها الكلا.
__________________
(٢٩) الجركس : شعوب كانت تقطن في القوقاز وهاجر أغلبها إلى بلاد الشام ، عرفوا بحسن الطلعة ، وكانوا مضرب المثل في اقتصادهم وتدبيرهم على ما جربته في مخالطتهم ـ الدولة الجركسية بمصر (المماليك) خلدت ذكرها في التاريخ بما قدمته من عطاء ـ انظر دائرة المعارف الإسلامية مادة جركس ، عوض كلمة الروس نجد في بعض المخطوطات الروم.
(٣٠) البغطاق : سياتي أن ابن بطوطة نفسه يشرحها بقوله بأنها مثل التاج الصغير المكلل بالجواهر وبأعلاه ريش الطواويس ... وقد أتعب دوزي نفسه في البحث عن الكلمة في معجم الملابس ونقل عن غيره أنها قميص ثم ذكر أخيرا أنها ثياب تزين بالجواهر واللئالئ بل كان بعضها ينسج ويطعم بالأحجار.
(٣١) أقروف : لفظ بربري الصيغة ، وهو يعني حسب القرائن المحتفة باستعماله ـ ما يعبر عنه دوزي بقوله : ضرب من تيجان الرأس المستعملة في المغرب ... أفول وما تزال بعض نساء شمال المغرب يتزيّن به عند المناسبات ... وربما كان اقروف (وليس أخروق كما حرفها ترجمان معجم الملابس) يشبه ما كان يسمى بالحنطوز في المغرب مما تغطى به السيدة رأسها ويكون مرصعا في الغالب بالجواهز واللئالي ...
ـ د. التازي ، اعراس فاس ١٩٦١ ص ٢٨.