قدّمناه إلى مدينة قونية (٤٩) وضبط اسمها بضم القاف وواو مدّ ونون مسكن وياء آخر الحروف ، مدينة عظيمة حسنة العمارة كثيرة المياه والأنهار والبساتين والفواكه ، وبها المشمش المسمّى بقمر الدين وقد تقدّم ذكره ويحمل منه أيضا إلى ديار مصر والشام ، وشوارعها متّسعة جدّا ، وأسواقها بديعة الترتيب وأهل كل صناعة على حدة ، ويقال : إن هذه المدينة من بناء الاسكندر ، وهي من بلاد السلطان بدر الدين بن قرمان ، وسنذكره ، وقد تغلّب عليها صاحب العراق في بعض الأوقات لقربها من بلاده التي بهذا الإقليم ، نزلنا منها بزاوية قاضيها ، ويعرف بابن قلم شاه (٥٠) ، وهو من الفتيان وزاويته من أعظم الزاويا ، وله طائفة كبيرة من التلاميذ ، ولهم في الفتوّة سند يتّصل إلى أمير المومنين عليّ بن أبي طالب (٥٤) عليهالسلام ولباسها عندهم السّراويل (٥٢) كما تلبس الصوفيّة الخرقة.
وكان صنيع هذا القاضي في إكرامنا وضيافتنا أعظم من صنيع من قبله وأجمل ، وبعث ولده عوضا منه لدخول الحمّام معنا ، وبهذه المدينة تربة الشيخ الإمام الصالح القطب جلال الدين المعروف بمولانا (٥٣) ، وكان كبير القدر ، وبأرض الروم طائفة ينتمون اليه ويعرفون
__________________
(٤٩) فوجئ الذين يتتبعون تنقلات ابن بطوطة عبر الخريطة ويعيشون معه وهو في ميلاس غرب أنطاليا ، فوجئوا وهم يرون ذاكرته تخونه فيقفز إلى قونية شرقي البلاد : قونية تقع على بعد ٦٠٠ كلم من ميلاس وكان أقرب إلى المنطق لو أنه تحدث عن قونية وهو في اگريدير وبيشهير فإن هذه المدينة الأخيرة يفصلها عن قونية ٩٠ كلم. هذا وقد كانت قونية عاصمة للسلاجقة في أنطاليا الروم إلى أن سقطت دولتهم عام ٧٠٨ ١٣٠٨ ، وقد أصبحت محلّ نزاع بين المغول وبين قرمان أوغلوا واحتلت من هؤلاء بعد فرار تيميرتاش إلى القاهرة عام ٧٢٧ ١٣٢٧ ـ على ما أسلفنا.
(٥٠) تاج الدين بن قلم شاه ذكر أيضا من لدن مؤلفين آخرين من أمثال أفلاكي في مناقب العارفين».
(٥١) الفتوة منظمة شعبية لسلطة سياسية أخذت تنمو في المجتمع الإسلامي استبدلت بأمر من الخليفة العباسي الناصر ٥٧٧ ٦٢٠ ١١٨١ ـ ١٢٣٣ بما يشبه مؤسسة تدعوا إلى التفاف ملوك الإسلام تحت راية علي ... وسنرى أن الخليفة الناصر يبعث بسفير خاص حول هذه القضية ، لدى السلطان السلجوقي في قونية علاء الدّين قيقباد الأول ٦١٦ / ٦٣٤ ١٢١٩ ـ ١٢٣٧ ، يبعث أبا حفص عمر السّهروردي مؤسس الطريقة السّهروردية الصوفية الأرستوقراطية التي تحمل نفس الاسم وهكذا نرى أنه كان على" الفتوة" في العاصمة السلجوقية : قونية أن تحتفظ بصفات تختلف عن التي كانت في المدن الأخرى.
(٥٢) السراويل ترمز لنقاء الذيل والعفة ...
(٥٣) القصد إلى مولانا جلال الدّين محمد بن محمد الرّومي أعظم شعراء الإسلام صاحب الطريقة الصوفية المولوية نسبة إلى مولانا ، ومؤسس طريقة الجلاليين (أو المولويين) ، ولد في بلخ ، وتوفي في قونية عام ٦٧٢ ١٢٧٣ كانت طريقة محمية من لدن السلاجقة ، ثم من لدن العثمانيين ... وهو صاحب (المثنوي) المشهور بالفارسية ، وقد ترجم إلى التركية وشرح وطبع بها وبالعربية : منظومة صوفية فلسفية في ٧٠٠. ٢٥ بيت
EVA DE VITRAY ـ Meyerovitch : Rumi et le soufisme ـ Edition du Seuil ٧٧٩١ ـ MEHMET ONDER MEVLANA jelaleddin Rumi, Ministry of Culture Turk / ١٣١١.