ذكر سلطان اللّارندة.
وسلطانها الملك بدر الدين بن قرمان (٦٠) ، بفتح القاف والراء ، وكانت قبله لشقيقه موسى فنزل عنها للملك الناصر وعوّضه عنها بعوض وبعث إليها أميرا وعسكرا (٦١) ثم تغلّب عليها السلطان بدر الدين وبنى بها دار مملكته واستقام أمره بها.
ولقيت هذا السلطان خارج المدينة وهو عائد من تصيّده فنزلت له عن دابّتي فنزل هو عن دابّته وسلّمت عليه وأقبل عليّ ، ومن عادة ملوك هذه البلاد أنه إذا نزل لهم الوارد عن دابته نزلوا له وأعجبهم فعله ، وزادوا في إكرامه ، وإن سلّم عليهم راكبا ساءهم ذلك ولم يرضهم ويكون سببا لحرمان الوارد! وقد جرى لي ذلك مع بعضهم ، وسأذكره ، ولمّا سلّمت عليه وركب سألني عن حالي وعن مقدمي ودخلت معه المدينة ، فأمر بإنزالي أحسن نزل ، وكان يبعث الطعام الكثير والفاكهة والحلواء في طيافير الفضّة ، والشمع ، وكسا ، وأركب وأحسن ، ولم يطل مقامنا عنده.
وانصرفنا إلى مدينة أقصرا (٦٢) ، وضبطها بفتح الهمزة وسكون القاف وفتح الصاد المهمل والراء ، وهي من أحسن بلاد الروم وأتقنها ، تحفّ بها العيون الجارية والبساتين من كل ناحية ، ويشقّ المدينة ثلاثة أنهار ويجري الماء بدورها ، وفيها الأشجار ود والي العنب ، وداخلها بساتين كثيرة ، وتصنع بها البسط المنسوبة إليها من صوف الغنم لا مثل لها في بلد من البلاد (٦٣) ومنها تحمل إلى الشام ومصر والعراق والهند والصين وبلاد الأتراك.
__________________
(٦٠) بدر الدين ابراهيم بن بدر الدين محمود ٦٩٩ ـ ٧٠٨ ١٣٠٠ ـ ١٣٠٨ وحفيد كرمان المؤسس الرمز للدولة ، خلف أخاه يخشى ، وامتلك اللارندة حوالي ٧١٧ ١٣١٧ ـ ١٣١٨ وتنازل عن الحكم عام ٧٣٣ ١٣٣٣ ، في نفس السنة التي مر فيها ابن بطوطة بالمنطقة ، لصالح أخيه خليل ولكن مع احتفاظه ـ على ما يبدو ـ بقسم من الإمارة كإقطاع ...
(٦١) امتلك موسى لارندة من ٧١١ ١٣١١ إلى ٧١٨ ١٣١٨ ، وقد كان كأغلب أفراد اسرة كرمان حليفا لدولة المماليك بمصر. التقى به ابن بطوطة أثناء موسم الحج عام ٧٢٨ ١٣٢٨ بيد أنه لا يظهر أن هناك تجريدة من المماليك وردت على لارندة.
(٦٢) توجد أقصرا (AKASRAY) على بعد ١٥٥ ك. م شمال شرق لاراندا على الطريق الآخذ من قونية إلى قيسارية (Kayseri) ، وليس على الطريق التي تذهب من قونية إلى نكده (Nigde) عبر لارندة المسلوكة ـ على ما يظهر ـ من طريق ابن بطوطة ، ومع هذا فيمكن أن يكون الامر يتعلق بخط سير طريق العودة. المدينة التي أنشئت من لدن الأمير السلجوقي عز الدين كيلتج أرسلان الثاني سنة ٥٦٦ ١١٧١ كانت حسب مستوفي ، مكانا خصبا ينتج الحبوب الرفيعة والعنب الكثير ...
(٦٣) تحدث ماركوپولو عندما ذكر بلاد التركمان عن الزرابي الرفيعة التي لا نظير لها في العالم ... وبما أن قونية كانت هي مركز التصدير فقد تنسب الزرابي اليها ...