وداعي تلك المجامع والجوامع ، وقد خامرني الفرق ، واستولى على جفني الأرق ، وأولعت بما يولع به المشفق ، وأنفقت دمعي وكل امرئ بما عنده ينفق ، ورحم الله زهيرا المهلبيّ ، فعن حالي عبر بقوله ...» ويورد أيضا أبيات المهلبيّ.
والجدير بالإشارة هنا أن لسان الدّين ابن الخطيب (ت ٧٧٦ ه) أثار شكوكا كثيرة حول رحلة البلويّ مؤداها اتهامه إياه بسرقة كتاب البرق الشّامي للعماد الأصفهانيّ ، وهذا الاتهام يراه محقق الكتاب تأثرا لا غير (١). ونرى أن الغزّيّ امتلك نسخة من رحلة البلويّ فأعجب بحسن الصوغ وبديع السجع فأحبّ أن يظهر ذلك في كتابه.
وأيا كان الأمر فالرحلة ذات قيمة تاريخية إذ كثيرا ما يتطرّق المؤلف إلى بعض الأحداث التي حدثت خلال وجوده في مكان ما ، فعند إقامته بالقسطنطينيّة يذكر الغزّيّ خبر انشغال الدولة وأرباب الديوان بختان أولاد السّلطان ، ويورد خبر سفر السّلطان إلى مدينة بروسا ، ثم تفشي الطاعون في عام ٩٣٧ ه ، كما نجد أن الغزّيّ يتابع ما يستجد من أحداث في موطنه من ذلك خبر عزل القاضي ابن الفرفور والحجز على أملاكه وسجنه إلى غير ذلك من الأحداث.
والرحلة تعدّ مصدرا مهما من مصادر التراجم لما تضمنته من أسماء علماء وأدباء وأعيان وأمراء التقى بهم الغزّيّ خلال رحلته ، وبعض هذه التراجم عزيزة ، لم نجد فيما بين أيدينا من مصادر من تطرّق إليها. إضافة إلى أمانة الغزّيّ عند الترجمة لأحد الأعلام في إيراد الآراء المختلفة من ذلك قوله في ترجمة ابن بلال : «أخبرنا أصحابنا الشموس الثلاثة ابن الخناجريّ وابن قنبر والسيد ابن النويرة والبدر ابن النصيبيّ وغيرهم أن المشهور بحلب بابن بلال رجل جاهل لا يعرف شيئا ...» إلى أن يقول : «ورأيت من خالفهم في ذلك كلّه وقال إنه من حملة العلم وأهله ...» ، وأثبت نجله نجم الدّين الغزّيّ في كتابه الكواكب السائرة جلّ الذين ذكرهم والده أو التقى بهم ، وعن نجم الدّين هذا استقى ابن العماد في كتابه شذرات الذهب كثيرا من تراجم أعيان القرن العاشر الهجري.
أما في الجانب الجغرافي والعمراني فالرحالة كثيرا ما يوغل في وصف المواضع
__________________
(١) انظر مقدمة رحلة البلويّ المسماة : «تاج المفرق في تحلية علماء المشرق» ص ١ : ١٠٣ ـ ١١٠.