بأكيد الدّعاء إلى (القريب المجيب) (١) إله الأرض والسماء ، عسى يحفّ بالعطف بالنقل إلى خير بدل ، وهو سامع للاستغاثة عزوجل ، ثم انقلبت تلك القلبة عند انقلابنا من العقبة ، ثم طلعت الشمس ، ومدّت حبالها الشديدة المرس ، وأفضا بنا السير إلى فضاء واسع ، وقطر شاسع ، وقرى كثيرة ، ونعم غزيرة ، وكان وصولنا ضحوة نهار الاثنين سادس عشرين الشهر ، إلى مدينة [١٥٨ ب] الجديدة المعروفة بينكى شهر ، ونزلنا بخارجها على شاطئ النهر ، في مرج واسع ذي مرعى وزهر ، ثم عزمنا على الترحال وقت الظهر ، وشددنا الأحمال (٢) وامتطينا الظهر ، وسرنا سيرا مجدا لم نأل فيه جهدا إلى أن تهدّم من النهار بنيانه ، وأقبل الليل ولاحت نيراته (٣) ونيرانه ، وأطبق الظلام جفنه وأعرض ، فوصلنا إلى قرية آق بيق ومعناه الشارب الأبيض ، وبها حمام وخان ، وخارجها أشجار كثيرة من السنديان ، وبتنا بها ليلة الثلاثاء سابع عشرين الشهر المذكور ، ثم رحلنا منها حين تقوّضت خيام الدّيجور ، وجرّد الفجر سيفه المشهور ، ولم نزل نجوب تلك الفيافي والقفار إلى تعالي ذلك النهار ، فوصلنا إلى القرية المعروفة بأرمنى بازار ، ونزلنا خارجها بذلك المقعد المار المركب على العين ، وأقمنا هناك إلى ما [١٥٩ أ] بين الصلاتين ، ثم سرنا منه والأبدان (٤) أيضا تعب ، والهاجرة ذات لهب ، ولم نزل نجوب كل تنوفة ، ونقتحم كل مخوفة ، إلى أن قضى اليوم نحبه ، وواصل قرص الشمس غربه ، فانتهينا إلى قرية بوزيك ومعناه التل الأشهب ، وبها عمارة لقاسم باشا الوزير ، أتقن وضعها ورتّب ، وأبدع في عمارتها وأغرب ، فنزلنا بظاهرها بمرج وسيع به أعين وربيع ، وبتنا به ليلة الأربعاء إلى أن سلب الليل خضابه ، وأماط الفجر نقابه ، ثم أخذنا في السير والترحال ، ولم نرث لتلك المطى من الكلال ، ولم نزل نسير ذلك اليوم ، إلى أن حلّ الفطر من الصوم ، ثم شرعنا نشقّ جلابيب الليل شقّا ، ونحاسبه من عمره على ما تبقّى ، إلى أن أفضى بنا السير
__________________
(١) ما بين القوسين ساقط من (ع).
(٢) وردت في (ع): «الأرحال».
(٣) وردت في الأصل : «نبراته».
(٤) وردت في (ع): «الابلال».