تيزين (١) ، فوصلناها عندما دخلت الشمس خدر الغروب ، وتستّرت بسربها (٢) المحجوب ، وأسبل الليل إزاره ، وعمّ ظلامه الوجود وأقطاره. وهي بلدة قديمة ، ذات عمائر عظيمة ، وآثار معاهد مقيمة ، فسيحة الأرجاء ، صحيحة الهواء ، ممتدّة الغاية في الحسن والانتهاء ، واسعة الرقعة ، طيّبة البقعة ، سامية الارتفاع ، مشرقة البقاع ، مباركة الأغوار والتلاع ، ممرّغة الجنبات ، متنوعة النبات ، ممدودة الظلال ، مودودة الحلال ، مأمولة السعادة مسعودة الآمال ، قد أخذت من كل المحاسن [١٦٧ ب] نصيبا ، وفوّقت إلى سهم الفضائل سهما مصيبا ومليت ظرفا ونخبا (٣) ، وأوتيت من كل شيء سببا ، فبتنا بها وقد عزمنا على الرحلة وأتينا صدقاتها نحلة.
ثم سرنا من ذلك المكان حين أبرز (٤) الأفق ذنب السّرحان ، وآن انبلاج الفجر وحان ، (ليلة الأحد ثالث عشرين) (٥) ، ثم أخذنا في المسير صباحا إلى أن تعالى النهار وتضاحى ، ودخلنا في معاملة الحلقة وقت الغداء (٦) ، ونزلنا في قرية يقال لها تل عدا ، فتلقانا (٧) أهلها بالسلام والترحيب والإكرام ، وأنزلونا في بيوتهم ، وأسهمونا في قوتهم ، وتواردت علينا منهم الضيافات ، وزالت عنّا بحمد الله تلك المخافات واطمأنت الأنفس وطابت الأرواح ، وزال العناء وحصل الارتياح.
فأقمت بها إلى يوم الاثنين رابع عشرين القعدة وقت الصباح ، فلمّا بدا بنوره ولاح ، وملأ ضياؤه تلك البطاح ، وكان ذلك المرض قد غلب ، واشتدّ بأسه وخلب ، وأذهب بالقوى [١٦٨ أ] وسلب ، فاستخرت الله تعالى في المضي إلى حلب إذ لا تخلو
__________________
(١) تيزين : قرية كبيرة من نواحي حلب ، كانت تعدّ من أعمال قنسرين ثم صارت أيام الرشيد من العواصم مع منبج. انظر : معجم البلدان ٢ : ٦٦.
(٢) كذا وردت ولعلها : «بسترها».
(٣) وردت في (ع): «وأدبا».
(٤) سقطت هذه الكلمة من (ع).
(٥) ما بين القوسين ساقط من الأصل.
(٦) سقطت هذه الكلمة من (ع).
(٧) وردت في (م) و (ع): «فتلقونا».