عذب غدق يغدق ، فأقمنا به ريثما نستريح ، ونزيح (١) علل الرفاق والدّواب ونريح ، ثم ترحّلنا منه عندما حان وقت الزوال [٩ أ] وامتد الظل ومال ، وكان ذلك اليوم أطول من ظل القناة ، وأحرّ من دمع المقلاة ، وسرنا والقيظ يشتدّ حرّه ، والهجير يتلظّى جمره ، إلى أن وافينا وادي الزّبدانيّ ، وقد أعرس بالورد وتزبّن بالعرار والرند ، واطردت جداوله أي طرد ، وفاح نسيمه المنعش للروح بالطيب والبرد ، فتلقانا أهله بحزم الورد النصيبي ، ووفر منه ذلك اليوم حظّي ونصيبي ، وقلت : [من المجتث]
جزنا بقوم كرام |
|
وافوا بورد نصيبي |
فاجزلوا منه حظّي |
|
ومنه وفّوا نصيبي |
فياله من واد ما أحلاه وأملحه ، وأفسحه وأفيحه وأفوحه ، كأن رياضه سماء زيّنت بالزواهر ، أو قباب زمرد رصّعت من الدر والياقوت بأنفس الجواهر ، أو عذارى تتجلّى في حلل سندسيّة باسطة أكفها للتسليم ، أو مهدية أقداحا ختامها مسك ومزاجها من صفاء التسنيم ، فتركنا عشه ودرجنا ، وما عجنا على غير المسير ولا عرجنا ، فوصلنا قرية صرغايا (٢) أصيل ذلك اليوم ، فنزلنا في أحسن المنازل بخلاف بقية القوم في أرض خضرة ، بين مياه خصرة وأزهار عطرة ، وأشجار نضرة ، وجورات (٣) [٩ ب] تميس بقدود الحور ، وتتستر (٤) بالأوراق تسترها بالشعور ، وحمائم تترنم على أعواد الغصون ، وتبدي فنون الأشواق والشجون ، كما قيل : [من الكامل]
تشدوا بعيدان الأراك حمائم |
|
شد والقيان عزفن بالأعواد |
__________________
(١) وردت هذه الكلمة في (ع): «ونربح» ، وفي (م): «ونزيل».
(٢) وردت هذه الكلمة في (ع): «صرغانا».
(٣) وردت هذه الكلمة في (م): «حورات».
(٤) وردت هذه الكلمة في (ع): «وتستتر».