بصلاتها مجموعة مع العصر ، ثم رحلنا قاصدين الرّستن (١) ، وسرنا بعزم [١٦ أ] غير مرتاب ، وبسير يطوي البيد كطي السجل للكتاب ، والحرّ قد قويت عزيمته واشتدت شكيمته : [من البسيط]
والغبار الكثيف ألبس عطفي |
|
عسليا وديني التوحيد |
وكسى عارضيّ ثوب مشيب |
|
ورداء الشباب غضّ جديد |
فوصلناها عندما سئمت الشمس من الحرور ، وركنت إلى الاكتنان والوكور ، وكاد قرصها في العين الحمئة يغور ، فنزلنا بمرج أريج ، ذي نبت بهيج ، ومنظر فريج ، يحتوشه العاصي من جانبيه ، ويتوصّل من جسر على عشر قناطر إليه ، وهذا الجسر واسع الفناء ، محكم البناء ، قد أحكم بالبلاط (٢) الأسود تبليطه ، وله جوانب عالية (٣) من حافيته تحوطه ، والرّستن لها ذكر في الملاحم والفتن ، وهي قرية على تل قاطع الجسر من جهة حمص ، ثم هي الآن مأوى لكل سارق ولص.
(رجع) فلما تنبّه القمر بعدما رقد ، واستنار من مشرقه واتقد ، وأسنّ حسامه المجلو وأحدّ ، وآن تجلى الواحد الأحد ، من ليلة يسفر صباحها عن يوم الأحد ، لم يبق منّا بذلك المحل أحد ، وسرنا نقطع مسافة البيداء ، ونطوي شقّتها طي الرداء ، فبينا أنا أسير أمام القوم ، وقد غلب عليهم النعاس ، وحكم عليهم النوم ، وإذا باثنين من السرّاق يظن أنهما من [١٦ ب] الرفاق ، فوقف المملوك الماشي أمامي وحار ، وخاف منهما وجبن وخار ، فزبرته وزجرته ونهرته ، ثم تقدّمت إليهما وسلّمت عليهما لأسبر كنههما وأخبر من هما ، وأنا محترز منهما قابضة يدي على الحسام ، فألقيا إليّ
__________________
(١) الرّستن : بلدة على نهر العاصي بين حماة وحمص ، وبها آثار باقية إلى يومنا وينسب إليها جماعة من أهل العلم والفضل (معجم البلدان ٣ : ٤٣ ، وأخبار الدول ٣ : ٣٧٢).
(٢) وردت هذه الكلمة في (ع): «بالبلاد» مصحفة.
(٣) وردت في (ع): «علية».