الورس (١) ، ثم صقلت مرآتها وانجلت ، ورفعت رايتها وعلت ، فوافينا مدينة حمص ذلك الوقت من يوم السبت ، فنزلنا [١٣ ب] بمرج أخضر حسن النبت يجري به مياه لا بدة بعاصم حماة ، ممدة مع طاعتها لعاصي حماة ، وتحفّه بساتين حسنة مزدهاة ، وتلقّانا بها جماعة من وجوه الناس ، منهم الشيخ الصّالح الفاضل عبد القادر ابن الدّعاس (٢) ، ثم دخلنا المدينة بنية الزيارة ، فوجدنا غالب دورها سوداء الحجارة ، لكنها واسعة الأفنية ، متينة الأبنية ، قديمة العمائر ، عظيمة لمآثر ، ودخلنا إلى جامعها الكبير ، وزرنا بظاهرها سيّدي خالد ابن الوليد الصحابي الجليل (٣) الشهير ، وهذه البلدة أصح بلاد الشّام هواء ، وأعدلها تربة وماء ، وليس بها حيّة ولا عقرب ، بل يقال إن الحمصيّ بأي بلد كان لا تدنو منه عقرب ولا تقرب ، وكذلك الثوب المغسول بمائها إلى أن يغسل بغيره ، قيل وهو مجرّب. قال القزوينيّ (٤) : ومن عجائبها الصورة التي على باب المسجد ، نصفها الأعلى على صورة إنسان ، ونصفها الأسفل صورة عقرب بذنب وزبان ، تطبع تلك الصورة بالطين الحرّ وتلقى في ماء ، فإذا شرب منه الملدوغ برئ من الضرّ ، وبظاهرها [١٤ أ] على نحو ميل بركتها المعظّمة (٥) التي تصاد منها السمك الكبار ، وتجلب (٦) إلى دمشق وغيرها من الأقطار ، وعند أهل حمص تغفّل شديد ، وحماقة ما عليها من مزيد ، فممّا يحكى عنهم من الحكايات المشهورة ، أن بخارج المدينة ناعورة فرآها مرّة رجل حمويّ ، فقال : ما غرّبك بهذه الفلاة ، أترى أهل حمص سرقوك من حماة؟ فاختشوا أن يأخذها أهل حماة ليلا ، فأعدوا لحراستها رجلا وخيلا ، ومعهم أنواع السلاح ، يدورون حولها كل ليلة إلى (٧)
__________________
(١) الورس : صبغ لونه أصفر. (لسان العرب ٦ : ٢٥٤).
(٢) عبد القادر بن أحمد زين الدّين الكاتب الحمصيّ (ت ٩٣٧ ه). ترجمته في : الكواكب السائرة ٢ : ١٧٤ ، شذرات الذهب ١٠ : ٣٠٢.
(٣) سقطت هذه الكلمة من الأصل.
(٤) آثار البلاد وأخبار العباد ١٨٤ ـ ١٨٥.
(٥) سقطت هذه الكلمة من (ع).
(٦) في (م) و (ع): «ويجلب».
(٧) وردت في (ع): «حتى».