وأرعى حبّكم ما دمت حيا |
|
وأرجو فضلكم في رعي حبي |
ثم ركبت على المحارة ، وخرج إلى وداعي غالب أهل الحارة ، وكان النهار قد تحوّل ، والليل قد عوّل ، وأسبل ذيله وأسدل ، وأردف إعجازا وناء بكلكل ، فوصلنا إلى خارج المدينة ، وهم مشاة (بين يديّ) (١) بسكينة ، فجددنا هناك معهم الوداع ، ثم انقلبوا ما بين مثن وداع ، ونزلنا خارج المدينة في محل التبريز ، في منزل عزيز ، بديع التفويف والتطريز ، ثم أقمنا في ذلك المحل [١٧٠ ب] يوم الأحد إلى أن تكامل السفر ولم يبق منهم بالمدينة أحد ، فاتفقنا مع أولئك النفر أن يكون السير من ليلة الاثنين طلوع القمر ، فحين كشف أدهم الليل ، بأشقر من جياد الخيل ، حمّلنا الأحمال على تلك الأجمال ، وأخذنا في التنقّل والارتحال.
ولمّا اتضح الصبح وبان ، وبدا نوره للعيان ، نزلنا بمنزل خان طومان (٢) ، ونحن في غاية الدّعة والاطمئنان. وهو منزل فسيح الساحة ، مستطيل المساحة ، حاو لأصناف النضارة والملاحة ، فلما اكتهل شباب ذلك النهار ، واعتراه بعد النضارة اصفرار ، اخترنا عن ذلك المكان الرحلة ، وصرمنا حبله وقعطنا وصله ، وكان منتهى السير إلى سراقب ، عند ظهور النجم الثاقب ، وهجوم الظلام الواقب ، من ليلة الثلاثاء سابع عشر الشهر ، واستمرينا بذلك المكان يوم الثلاثاء إلى العصر ، فلمّا حيعل داعي الصلاة ، وأجابه إليها من دعاه ، أخذنا في أهبّة الترحيل ، وشرعنا في الشدّ [١٧١ أ] والتحميل ، وقطعنا بالسير عمر ذلك الأصيل ، إلى أن وصلنا إلى مدينة المعرّة (٣) ثلث ليلة الأربعاء أو قبله بقليل ، فنزلنا بظاهرها بمربع ، فيه للخواطر منزع ، وللدواب
__________________
(١) ما بين القوسين ساقط من (م) و (ع).
(٢) وردت في (ع): «طوفان». وخان طومان يقع على نهر قويق ، ويبعد عن حلب مسافة ثلاثة أميال.
(معادن الذهب ٣٧٨ الهامش).
(٣) وردت في (ع): «المغيرة». وهي المعروفة اليوم بمعرّة النعمان نسبة إلى النعمان بن بشير الأنصاري ، وتقع بين حلب وحماة. (معجم البلدان ٥ : ١٥٦ ، صبح الأعشى ٤ : ١٤١ ، أخبار الدول ٣ : ٤٨٨).