ذكر الرحلة الأزنكمودية
ثم لمّا سافر السّلطان ، وتعطّل من قضاء الأشغال المهمّة الديوان ، وكان الهواء قد تغيّر ، والجو بالوخم قد تكدّر ، وظهر الوباء ونشا ، وكثر الطاعون وفشا ، وتحوّل النسيم سموما ، وصارت المياه سموما ، وانقلب زلالها حميما ، ومن يتبرد بها محموما ، ولا يسأل حميم حميما ، فوصفت لنا بلدة أزنكمود (١) بلطافة الهواء ، وعذوبة الماء ، وقلّة الوباء ، وطيب البقعة ، وارتفاع الرقعة ، وتناهي الرفعة ، وسلامة الطبائع ، وسعة المرابع والمراتع ، وكثرة المنازه وأنواع الفواكه ، فاستخرنا الله تعالى في السفر [١١١ أ] إليها والحلول لديها ، إلى أن يعتدل الزمان ويعود السّلطان. فتوجهنا إليها صحبة المولى السيّد المشار إليه ، أسبغ الله تعالى نعمه عليه ، وخرجنا من المدينة ، ونزلنا في السفينة ضحى يوم الاثنين المكرّم ثاني عشر شهر الله المحرّم سنة سبع وثلاثين وتسعمائة من هجرة النبي صلىاللهعليهوسلم ، وركبنا ذلك البحر وما رهبناه ، واستصحبناه وما استصعبناه ، وسرنا فيه في أطيب هواء ، وأحسن استواء ، وقد سكن هائجه وركد مائجه ، وصلح مزاجه وحسن علاجه ، وتلك تجاريه المشية تتبختر تبختر الجارية الناشية ، وتنساب في الجناب كالحباب ، وتأتي من الحركة في صورة السكون بالعجب العجاب ، فتحسبها جامدة وهي تمر مرّ السحاب ، ثم سكن الريح حتى كأنه ميت ، وصار البحر كأنه قعب لبن أو زيت : [من الطويل]
قد كان بحرا قبل ذلك زاخرا |
|
فغدا بذلك وهو برّ مقفر (٢) |
وكان النهار قد قضى ، ووفى دينه وقضى ، وذهب مهرولا ومضى ، وأشرف القمر
__________________
(١) أزنكمود أو أزنكميد وهو اسم تركي ، وبالعربية نقمودية وتسمى حاليا أزميد ، وهي مدينة على ساحل البحر بينها وبين القسطنطينيّة أربع مراحل ، فتحها الملك أورخان ان السّلطان عثمان. انظر : أخبار الدول للقرماني ٣ : ٣٠٧.
(٢) البيت في تاج المفرق ١ : ١٩٥ بلا عزو.