مرتع ، ولبرد العلة ألطف مشرع ، فلم نزل به بقية تلك الليلة ثم من يومها إلى أن استوفى ميله ، وأسرج للرحلة خيله ، وشمّر للذهاب ذيله ، فاقتفينا أثره في الرحيل ، وشرعنا بين وخد وذميل (١) ، وقطع فرسخ بعد ميل ، إلى أن أخذ منّا السهر ، وشقّ جلباب الظلام سناء القمر ، وصلنا إلى خان شيخون (٢) مستعيذين (٣) بالله من شر كل خؤون ، فلمّا ابتسم وجه الشرق بعد التعبيس ، وأسفر صبح يوم الخميس ، نفس عنا تنفسه غاية التنفيس ، فحصل لنا بنوره بعد الوحشة كل تأنيس ، ثم استمرينا في ذلك المكان إلى أن حان وقت العصر وآن ، ثم أخذنا نجوب تلك البراري ، ونجول في هاتيك الصحاري ، إلى أن احتجب النور [١٧١ ب] وبرز الدّيجور ، فارتعنا لإطلال الظلام وإقبال جيش حام ، ثم اقتحمنا عساكره أي اقتحام ، إلى أن أقبلت طليعة القمر من تلك الآكام ، فحصل لجيش الظلام الانهزام ، ودخلنا مدينة حماة بسلام ، وذلك ليلة الجمعة عشرين ذي الحجة الحرام ، وكان منزلنا بظاهرها بالموقف ، في (٤) مقعد عال مشرف ، إلى أن برز الفجر من خبائه ، وملأ الخافقين بضيائه ، فتلقّانا في ذلك المكان جماعة من الأعيان المنتسبين إلى الشيخ العارف علوان (٥) ، وبلغونا سلام ولده الشيخ محمد واعتذروا عن عدم (٦) تلقّيه لنا بأنه أرمد ، وقد تضاعف عليه الرّمد واشتدّ ، لكنه قد صمّم وأكّد أن نحصل في مكان عيّنه لنا وأفرد ، وكانت الحمّى في ذلك الوقت قد اشتدّت ، واحتدمت جدا واحتدّت ، فلم يمكننا وقتئذ إجابة مرامهم ، بل ولا جواب كلامهم ، بل ولا ردّ سلامهم ، فذهبوا ثم عادوا وقد كثروا وازدادوا (٧) ،
__________________
(١) الوخد : الإسراع في المشي. والذميل : السير اللّين. (القاموس المحيط ٤١٤ ، ١٢٩٥).
(٢) وردت في (ع): «خان سيحون».
(٣) وردت في (ع): «متعوذين».
(٤) وردت في (ع): «و».
(٥) هو علي بن عطية بن علوان الصوفي الشافعي توفي سنة ٩٣٦ ه ، انظر الكواكب السائرة ٢ : ٢٠٦.
(٦) وردت في الأصل : «بعدم» ، وما أثبتناه من (م) و (ع).
(٧) وردت في الأصل : «وزادوا» وما أثبتناه من (م) و (ع).