بعد الستين وخمس مئة» (١).
ويحق للقارئ أن يسأل : كيف يمكن أن يكون كتابا مرتبا على السّنين ذيلا لكتاب مرتب على حروف المعجم؟ وجواب ذلك فيما نرى ينبغي أن يفهم في إطار مفهوم «التاريخ» الذي ساد بين المحدثين ، وهو أنّ التاريخ عندهم يعني التراجم ، فقد نظم الخطيب تاريخه على حروف المعجم ثم على الوفيات ، وفي أثناء تراجمه حوادث تاريخية لا سيما في تراجم الخلفاء والوزراء وأرباب الإدارة ، وما أيسر أن يعاد تنظيمه على السّنوات لو أراد أي أحد ذلك ، فما عليه إلا أن يذكر التّراجم في وفيات كلّ سنة ، كما فعل الإمام الذهبي في كتابه «تاريخ الإسلام» مثلا. ولما كان تاريخ ابن شافع أكثره تراجم ، فإنه ارتأى أن تنظيم تراجمه على السّنوات مع فصل الحوادث عنها أفضل ، ولذلك لم يفرّق المؤرخون في هذه الأعصر بين التنظيمات ، وإنما لاحظوا نوعية المعلومات التي حواها كل تاريخ ، وهي مسألة تنطلق من مفهوم كل مؤرخ للتاريخ والغاية منه.
وممن ذيّل على تاريخ الخطيب أيضا مؤرخ بغداد ومحدّثها محب الدين أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن النجار البغدادي المتوفى سنة ٦٤٣ ه ، سمّاه : «التاريخ المجدد لمدينة السلام وأخبار فضلائها الأعلام ومن وردها من علماء الأنام» ، جمع فيه بين ذيلي ابن السّمعاني وابن الدّبيثي ، وأفاد من كتاب القطيعي وغيره من الكتب.
وقد ترجم لابن النجار ياقوت الحموي وتوفي قبله بسبعة عشر عاما ، وذكر تاريخه هذا ، فقال : «صاحبنا الإمام محب الدين ابن النجار البغدادي الحافظ المؤرخ الأديب العلّامة أحد أفراد العصر الأعلام. ولد في بغداد في ذي القعدة سنة ثمان وسبعين وخمس مئة ، وسمع .. واستمرت رحلته سبعا وعشرين سنة ، واشتملت مشيخته على ثلاثة آلاف شيخ. وكان إماما حجة ثقة حافظا مقرئا أديبا
__________________
(١) السير ٢٠ / ٥٧٣.