ظهور الإسناد :
والإسناد هو سلسلة الرّواة الموصلة إلى متن الحديث. وقد اختلف الكتّاب والباحثون في الوقت الذي ظهر فيه استعمال الإسناد ، إذ ليس هناك من تاريخ محدد له ، وقال محمد بن سيرين «٣٣ ـ ١١٠ ه» : «لم يكونوا يسألون عن الإسناد ، فلما وقعت الفتنة قالوا : سمّوا لنا رجالكم ، فينظر إلى أهل السّنة فيؤخذ حديثهم ، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم» (١).
وإنما وقع الخلف في تفسير «الفتنة» التي قصدها ابن سيرين في قوله هذا ، فذهب بعض الباحثين إلى القول بأنها الفتنة الواقعة في زمن عثمان رضياللهعنه والتي انتهت بمقتله وأدت إلى التمزق والانغلاق في كيان المجتمع الإسلامي وظهور الأهواء السياسية المتعارضة والآراء المتعصبة المتدافعة (٢). وذهب آخرون إلى أنّ المقصود بالفتنة هي فتنة عليّ ومعاوية رضياللهعنهما واختلافهم في أمر الخلافة (٣). ورأى الأستاذ روبسن أنّ المراد بالفتنة هي فتنة عبد الله بن الزّبير معتمدا في ذلك على نص ورد في موطأ مالك جاءت فيه هذه اللفظة ، وهو حديث مالك عن نافع أنّ ابن عمر خرج إلى مكة في الفتنة يريد الحج ... الحديث» (٤) ، والمقصود كما هو معروف حصار الحجاج لابن الزبير سنة ٧٢ ه (٥) ، وبذلك حاول روبسن أن يوفّق بين نص ابن سيرين وعمره وتاريخ هذه
__________________
(١) صحيح مسلم ١ / ١٥.
(٢) أكرم العمري : بحوث في تاريخ السنة ٤٣ ـ ٤٤ ، وحارث الضاري في مجلة كلية الشريعة ، العدد الخامس ١٩٧٩ ص ٢٢٩ ـ ٢٣٠.
(٣) محمد مصطفى الأعظمي : دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه ٣٩٥.
(٤) الموطأ (١٠٤٢ برواية الليثي) بتحقيقنا ، و (١١٧٣ برواية أبي مصعب الزهري) بتحقيقنا أيضا ، وهو في البخاري ٣ / ١٠ و ١٢ و ٥ / ١٦٢ ، ومسلم (١٢٣٠) (١٨٠).
(٥) ينظر تاريخ خليفة بن خياط ٢٦٨ ـ ٢٦٩ ، والتمهيد لابن عبد البر ١٥ / ٢٠٢.