الفصل الأول
ظهور كتب الرجال والتراجم
تعرض الحديث النبويّ الشريف ـ وهو المصدر الثاني من مصادر التشريع ـ إلى حركة واسعة للتّلاعب فيه والدّس عليه منذ فترة مبكرة ، فانتشر الكذب على رسول الله صلىاللهعليهوسلم أسهم في ذلك ذوو المآرب السّياسية والمذهبية والعقائديّة ، ومن لم يتشبّع بالدين الجديد لأسباب مختلفة. وأخذ المجتمع يبتعد شيئا فشيئا عن تلك الحياة الطّاهرة التي عاشها الصحابة رضوان الله عليهم مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وساهم بعض القصّاص (الوعاظ) وجهلة من الصّالحين في الإساءة إلى الحديث النبوي الشّريف حينما وضعوا أو حدّثوا بأحاديث كذب ظنا منهم أنّهم يكذبون لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وليس عليه ، ترغيبا في الخير والدين ، وترهيبا من العصيان والشر ، ولبئس ما كانوا يفعلون.
ونتيجة لكل ذلك قام العلماء المسلمون بجهود هائلة في محاولة لتنقية هذه الأحاديث وتبيان الصّحيح منها وعزل السّقيم ، فكان من نتيجة ذلك استعمال «الإسناد» الذي أدّى بدوره إلى ظهور علم الرّجال ، والمقصود بهم رجال أهل الحديث ، وهو العلم الذي أسهم إسهاما فاعلا في ظهور «علم التراجم» الذي شمل المحدثين وغيرهم من الخلفاء ، والملوك ، والسّلاطين ، والأمراء ، والوزراء ، والسّاسة ، والنّقباء ، والقضاة ، والفقهاء ، والعدول ، والمحامين ، والقراء ، والنّحويين ، واللّغويين ، والأدباء ، والشعراء ، والأطباء ، والصيادلة ، والصّيارفة ، والتّجار ، والزّهاد ، والصّوفية ، وغيرهم من المشهورين والأعلام ، فكتب الرجال يراد بها كتب رجال الحديث ، أما كتب التراجم فهي أعم وأشمل.