مصدر أو كتاب ينقل منه المصنف (١) ، ومن ثم كان الإسناد في حقيقته يتكون من قسمين ، الأول هو إسناد موصل إلى مؤلف الكتاب ، والثاني هو الإسناد الوارد في الكتاب نفسه ، ولكنه في الوقت نفسه يظهر للقارئ إسنادا واحدا متصلا ، وهي منهجية بقدر ما كانت مفيدة في الأعصر المتقدمة لأنها تقدم روايات مختلفة نوعا ما للكتاب الواحد ، لكنها صارت تخفي كثيرا من أسماء المصادر الحقيقية التي ينقل منها المؤلف ، لا سيما حين يذكر اسم المؤلّف ولا يذكر اسم كتابه ، فتتصل الأسانيد بحيث لا يعرف المصدر إلا المتخصص الذي خبر الكتاب ووقف على طرائق النقل عنده.
وخطورة مثل هذه المنهجية أنها قد تودي بمن لا خبرة له أن يضعّف حديثا صحيحا معروفا في كتاب متقدم بسبب الواسطة التي توصل بها المؤلف إلى ذلك الكتاب ، وهي مفسدة بيّنة.
فمن ذلك الحديث الذي رواه المؤلف من طريق شيخه أبي عبد الله محمد ابن عبد الله بن محمد بن جرير القرشي ، فقال : قلت له : أخبركم أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد قراءة عليه وأنت تسمع ، فأقرّ به ، قال : أخبرنا أبو عبد الله مالك بن أحمد بن علي المالكي ، قال : أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الصلت ، قال : حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى الهاشمي إملا ، قال : حدثنا الحسين بن الحسن المروزي بمكة ، قال : حدثنا عبد الله بن المبارك والفضل بن موسى ، قالا : حدثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «نعمتان المغبون فيهما كثير من النّاس : الصحة والفراغ» (٢).
وحين ندرس إسناد هذا الحديث نجد أن شيخ المؤلف ، وهو أول رجل في
__________________
(١) تاريخ الخطيب ١ / ١٠٥.
(٢) تاريخ ابن الدبيثي ١ / ٣٩٣.