وظهرت فيه صرامته ، إلا أنه استحال حين اشتدّت الأمور عليه ، فصار يعذّب على الأموال ، ويرتكب في شأن تحصيلها القبائح ، ويسلخ الوجوه ، وينفخ في الأدبار ، وقتل حتى أخته وأولادها ، ولم يزل في ملكه إلى أن مات على فراشه.
وبعده صارت مرسية ليوسف بن عبد المؤمن وتوالت عليها ولاة بني عبد المؤمن ، إلى أن ثار بها منهم عبد الله بن المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن ، وصحت له الخلافة ، إلى أن ثار بهجاتها :
٥١٨ ـ المتوكل محمد بن يوسف بن هود الجذاميّ (١)
وادّعى أنه من بني هود الذين كانوا ملوكا بثغر سرقسطة ، وآل أمره إلى أن ملك مرسية ، ونهض إليه مأمون بني عبد المؤمن ، وحصره بها ، فانصرف عنه ، فثارت بلاد الأندلس على المأمون ، وانقادت لابن هود. وكان ذلك في سنة خمس وعشرين وستمائة ، وصدرت المخاطبات عنه بأمير المسلمين المتوكل على الله. وكان عامّيا جاهلا مشؤوما على الأندلس ، كأنما كان عقوبة لأهلها ، فيه زويت محاسنها ، وطوي بساطها ، ونثر سلكها ، جبرها الله.
تحرك أوّل أمره إلى غربها ، فهزمه النصارى على المدينة العظمى ماردة ، ثم أخدوها ، وسلسلوا في أخذ ما حولها ؛ وما زالوا يأخذون المدن والمعاقل في حياته ، ويهزمونه هزيمة بعد أخرى ، إلى أن أراح الله منه على يد وزيره محمد ابن الرميمي قتله بالليل غيلة في مدينة المريّة ، وقد نقب نقبا في قصره.
وثار أعيان الأندلس بعده في البلاد ، ولم ينقادوا لوالده الذي لقبه بالواثق ، وأخرجه عمّه من مرسية.
وآل أمر مرسية إلى أن جعلت لعمّ المتوكل بن هود ، بفريضة للنصارى وخدمة. ومما اشتهر من حكاياته المضحكة في الجهل أنه لما دخل مرسية ، وبايعه أهلها على الملك ، وصلّى الجمعة خلف الإمام ، سلّم الإمام ، فردّ رأسه إليه ابن هود ، وقال بصوت عال : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. فأضحك من حضر.
وولي قرابته الأرذلين من بين شعّار ، وخبّاز ، وقيّم حمّام ، ومناد ، على ممالك الأندلس ، فقضى ذلك بتشتيت شملها ، والله يعيد بهجتها.
__________________
(١) انظر ترجمته في أعمال الأعلام (ص ٢٧٧) ونفح الطيب (ج ١ / ص ٢٠٧).