أصناف الرجال ، وتحصن أبو الفضائل ابن سعد الدولة ولؤلؤ بالبلد ، وأغلقا أبوابه واستظهرا بكل ما أمكنهما الاستظهار به ، وقد كان لؤلؤ عند معرفته بتجهيز العساكر المصرية إلى حلب كاتب بسيل عظيم الروم ، ومت إليه بما كان بينه وبين سعد الدولة من المساعدة والمعاقدة ، وبذل له عن ولده السمع والطاعة والجري على تلك العادة ، وحمل إليه هدايا وألطافا كثيرة ، وسأله المعونة والنصرة ، وأنفذ بالكتاب والهدايا ملكونا (١) السرياني ووصل إليه وهو بازاء ملك البلغر وعلى قتاله ، فقبل ورد فيه ، وكتب إلى البرجي (٢) صاحب أنطاكية من قبله بأن يجمع عساكر الروم ويقصد حلب ويدفع المغاربة عنها فسار البرجي إليه في خمسة آلاف (٣) رجل ونزل بالموضع المعروف بجسر الحديد بين أنطاكية وحلب ، فعرف منجوتكين (٣٠ و) وابن المغربي ذلك ، فجمعا القواد والمعرفين خبر الروم واستشارهم فيما يكون العمل به والاعتماد عليه ، فأشار ذوو الرأي والحصافة منهم بالانصراف عن حلب وقصد الروم والابتداء بهم ومناجزتهم لئلا يحصلوا بين عدوين ، ووقع العمل على ذلك وساروا مع عدة أخرى كثيرة انضافت إليهم من أهل الشام وبني كلاب ، ونزلوا تحت حصن أعزاز ، وقاربوا الروم ، وبينهم النهر المعروف بالمقلوب (٤) وهو نهر يجري مجرى الفرات في قرب من عرضه ، فلما بصر المسلمون بالروم رموهم بالنشاب وناوشوهم القتال ، وحصل الناس والروم على أرض واحدة ومنجوتكين يردهم فلا يرتدون ، وأنزل الله النصر وولت الروم وأعطوا ظهورهم ، وركبهم المسلمون ، ونكوا فيهم النكاية الوافية قتلا وأسرا وفلا وقهرا ، وأفلت
__________________
(١) في الأصل «ملكويا السيرافي» وهو تصحيف صوابه ما أثبتا اعتمادا على مرآة الزمان ـ حوادث سنة ٣٨١ ـ.
(٢) اسمه عند يحيى بن سعيد : ١٧٤ «ميخائيل البرجي».
(٣) في مرآة الزمان «في خمسين ألفا» ويتوافق هذا مع سياق الخبر.
(٤) هو نهر العاصي.