ففتح الباب وأخرجهم إليهم فلما رأوا حالهم خلوا عنهم ، ومضى بكجور وغلمان معه من غلمانه إلى براح (١) فيه زرع حنطة ، فطرح نفسه فيه ، ومرّ قوم من العرب ، فظنوا أن معهم ما يفوزون به ، فعدلوا إليهم ، وكان فيهم رجل من قطن يعرفه بكجور ، فقال له : أتعرفني؟ قال : لا ، قال : أذمم لي حتى أعرّفك نفسي ، فأذم له ، قال له ، أنا بكجور فاصطنعني واحملني إلى الرقة فإنني أوقر بعيرك ذهبا وأعطيك كل ما تقترحه ، قال : أفعل ، فأردفه وحمله إلى بيته وكساه قميصا وفروا وعمامة ، وكان سعد الدولة قد بث الخيل في طلب بكجور ونادى : «من أحضر بكجور فله مطلبه» ، فلما حصل بكجور في بيت البدوي ساء ظنه به ، وطمع فيما كان سعد الدولة بذله فيه ، واستشار ابن عم له في أمره ، فقال له : هو رجل بخيل ، فربما غدر ولم يف بوعده ، والصواب أن تقصد سعد الدولة وتأخذ منه عاجلا ما يعطيك ، فركب البدوي إلى عسكر سعد الدولة وصاح «نصيحة» فأحضر إلى حضرته ، فقال له : ما نصيحتك؟ قال : ما جزاء من يسلم بكجورا؟ قال : حكمه ، قال : فهو عندي وأريد عنه مائتي فدان زراعة ومائة ألف درهم ومائة راحلة تحمل حنطة ، وخمسين قطعة ثيابا ، قال سعد الدولة : وكل ذلك لك ، قال : وثق لي منه ، وعرف لؤلؤ الجراحي خبر البدوي ، فتحامل وهو مثخن بالضربة التي أصابته ، ومشى متوكّيا على غلمانه حتى حضر بين يدي (٢٧ ظ) سعد الدولة ، فقال : يا مولاي ما يقول هذا؟ قال : يقول إن بكجور عنده ، وقد طلب ما أجبناه إليه ، وهو ماض لإحضاره ، فقبض لؤلؤ على يد البدوي ، وقال له : أين أهلك؟ قال : في المرج على فرسخ ، فاستدعى جماعة من الغلمان وقدم عليهم إقبالا الشفيعي وأمرهم أن يرتقوا رؤوس الجبال حتى يوافوا الحلّة ، ويقبضوا على بكجور ويحملوه وهو قابض على يده ، والبدوي يستغيث بسعد الدولة ، ثم تقدم الى سعد الدولة وقال : يا مولانا لا تنكر عليّ فعلي ، فإنه كان مني عن استظهار في خدمتك ،
__________________
(١) الأرض الظاهرة ـ النهاية لابن الأثير.