وفي ليلة الأحد الخامس والعشرين من الشهر المذكور ، التالي ليوم الجمعة المقدم ذكره وافت في أوائلها زلزلة أزعجت وأقلقت ، ثم تلاها ثانية عند انتصافها أعظم منها ، نفر الناس من هولها الى الجامع والأماكن المنكشفة ، وضجوا بالتكبير والتهليل والتسبيح والدعاء الى الله تعالى والتضرع إليه ، ثم وافى بعد تلك الثانية ثالثة دونها ، عند تصرم الليل ، ثم وافى بعد الثالثة رابعة دونها ، ثم خامسة ، وسادسة ، ثم سكنت بقدرة محركها ، ولم تؤثر أثرا منكرا في البلد ، فلله الحمد تعالى أمره ، وعظم شأنه.
وفي أوائل ذي القعدة من هذه السنة ، ورد الخبر من حمص ، بوفاة واليها الأمير الملقب بصلاح الدين ، وكان في أيام شبوبيته قد حظي في خدمة عماد الدين أتابك زنكي صاحب حلب والشام ، رحمهالله ، وتقدم عنده بالمناصحة وسداد التدبير ، وحسن السفارة وصواب الرأي ، ولما علت سنّه ضعفت قوته وآلته عن السعي إلا في ركوب الخيل ، وألجأته الضرورة الى الحمل في المحفة لتقرير الأحوال ، والنظر في (١٨٩ و) الأعمال ، ولم ينقص من حسه وفهمه ما ينكر عليه الى حين وفاته ، وخلفه من بعده أولاده في منصبه وولايته.
وفي يوم الجمعة انسلاخ ذي القعدة من السنة ، بعد مضي تقدير ساعتين منه ، وافت زلزلة رجفت بها الأرض ، وانزعج الناس لها ، ثم سكنت بقدرة المحرك لها ، وحكمته البالغة ، فله الحمد على لطفه بعباده ، تبارك الله رب العالمين.
وفي أيام من شوال سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة ، ورد الى دمشق أمير من أئمة فقهاء بلخ ، في عنفوان شبابه ، وغضارة عوده ، ما رأيت أفصح من لسانه ببلاغته العربية والفارسية ، ولا أسرع من جوابه ببراعته ، ولا أطيش من قلمه في كتابته ، فقلت ما ينبغي أن يهمل اثبات اسم هذا الأمير الإمام في هذا التاريخ المصنف لأنني ما رأيت مثله ، ولا شاهدت شبيها له ، فالتمست