فانتهى إلى شمس الملوك أن أخاه شمس الدولة محمد بن تاج الملوك صاحب بعلبك قد عمل عليهما ، حتى استنزلهما على حكمه من حصنيهما المذكورين ، وندب لهما من رآه من ثقاته ونوابه لحفظهما ، فأنكر مثل هذا الفعل عليه ، وامتعض منه ، وراسل أخاه المذكور بالمعاتبة على ما قصده ، ويهجن رأيه فيما اعتمده ، ويسأله النزول عليهما (١) ، وإعادتهما إلى ما كانا عليه ، فامتنع من الاجابة إلى ما طلب ، والقبول لما التمس ، فأهمل الأمر فيه ، وفي الحديث في معناه مدة يسيرة ، ثم نهض في العسكر وآلات الحرب من دمشق ، موهما أنه يطلب ناحية الشمال في آخر ذي القعدة من السنة ، ثم عاد في طريق أخرى مغرّبا بعد تشريقه ، فلم يشعر من بحصن اللبوة إلا وقد نزل عليه ، وزحف من وقته إليه بعزيمة لا تدافع ، وشدة لا تمانع ، فلما أحس من فيه بالبلاء ، لما شاهده من شدة القتال ، ولم يجد له مخلصا بحال من الأحوال طلب الأمان من يومه ، فأجيب إلى ما سأل ، وأسعف بما أمل ، ونزل من الحصن ، وسلمه إليه ، فقرر أمره واستناب في حفظه من اعتمد على كفايته ونهضته ، ثم رحل عنه عند الفراغ منه إلى حصن الرأس ، فجرى أمر من فيه على تلك القضية فتسلمه ، وولاه لمن يحفظه ، ثم رحل عنه ، ونزل على بعلبك ، وقد استعد أخوه ، صاحبها ، واحتشد واجتمع إليه خلق كثير من فلاحي البقاع والجبال ، وغير ذلك من الحراميّة المفسدين ، فحصرهم فيها ، وضايقهم ، وزحف إليهم في الفارس والراجل ، وخرج من بعلبك من المقاتلة جماعة ، فقتل منهم وجرح نفر كثير وعلى السور أيضا.
ثم زحف بعد أيام إلى البلد البراني ، وقد حصّنوه بالرجال ، فشد عليهم القتال ، وفرق العسكر عليه من عدة جهات ، فملكه وحصل العسكر فيه ، بعد أن قتل وجرح الخلق الكثير ممن كان فيه ، ونصب المناجيق على
__________________
(١) كذا في الأصل ، وأقوم منها «عنهما».