فأجابه إلى ذلك ، ومبلغها عشرون ألف دينار ، والخيل ، وطلب مقاطعة شيزر ، فأجاب صاحبها إليها ، وهي عشرة آلاف دينار ، وتواترت غارات بغدوين على عمل البثنية من أعمال دمشق ، وانقطعت الطريق ، وقلت الأقوات بها وغلا السعر فيها ، وتتابعت كتب ظهير الدين أتابك إلى الأمير شرف الدين مودود صاحب الموصل بشرح هذه الأحوال في هذه الأعمال ، وبعثه على الوصول اليه للاعتضاد على دفع المردة الأضداد ، والفوز بفضيلة الجهاد ، وكان مودود قد شنع عليه عند السلطان غياث الدنيا والدين ، بشناعات من المحال لفقها الحسدة الأعداء ، أوجبت استيحاشه منه وبعده عنه ، قيل في جملتها أنه عازم على الخلاف والعصيان ، وأن يده ويد أتابك قد صارت يدا واحدة ، وآراؤهما متوافقة ، وأهواؤهما متوافقة ، فلما عرف ذلك سير ولده وزوجته إلى باب السلطان بأصفهان للتنصل والاعتذار ، وإبطال ما رقي إليه من المحال ، والتبرىء مما افتري عليه وعزي إليه ، والاستعطاف له ، والإعلام بأنه جار على ما ألف منه على إخلاص الطاعة والعبودية والمناصحة في الخدمة ، والاهتمام بالجهاد.
ثم جمع عسكره من الأتراك والأكراد ومن أمكنه ، وتوجه إلى الشام ، وقطع الفرات في ذي القعدة من السنة ، فحين اتصل خبره ببغدوين الملك قلق لذلك ، وانزعج لخبره ، وكان جوسلين صاحب تل باشر قد اختلف هو وخاله بغدوين الرويس ، صاحب الرها ، وصار مع بغدوين صاحب بيت المقدس ، وأقطعه طبرية ، واتفقا على أن راسل جوسلين لظهير الدين أتابك يبذل المصافاة والمودة ، ويرغبه في الموادعة والمسالمة ، ويسلم إليه حصن تبنين المجاور لحصن هونين (١) وجبل عاملة ، ويتعوض عن ذلك بحصن الحبيس الذي في
__________________
(١) فراغ بالأصل ، وجميع الذين تعرضوا لهذا الموضوع لم يأت واحد منهم على ذكر هذه التفاصيل حتى وليم الصوري : ١ / ٤٩٧ ـ ٥٠٠ ، اكتفى بذكر أسباب الخلاف بين بلدوين صاحب الرها وجوسلين صاحب تل باشر ، فبين