على السور برجين اشتدوا في القتال ، فقتل مقدم الاصطول المصري ، وخلق كثير من المسلمين ، ولم ير الأفرنج من ما تقدم وتأخر أشد من حرب هذا ، وانخذل الناس في البلد وأيقنوا بالهلكة ، فهجم الأفرنج على البلد آخر نهار هذا اليوم ، فملكوه بالسيف قهرا وغلبة وهرب الوالي الذي كان فيه في جماعة من أصحابه [ثم أمسك](١) وحمل إلى الافرنج فقتل ومن كان معه ، وغنموا ما كان استصحبه من المال ، ونهب البلد وسبي من كان فيه ، وأسر واستصفيت أموالهم وذخائرهم ، ووصل عقيب ذلك من مصر ثلاثمائة فارس نجدة لبيروت ، فحين حصلوا بالأردن خرجت عليهم فرقة من الأفرنج يسيرة العدد ، فانهزموا منهم إلى الجبال ، فهلك منهم جماعة.
فلما تقرر أمر بيروت رحل الملك بغدوين في الأفرنج ، ونزل على ثغر صيدا ، وراسل أهله يلتمس منهم تسليمه ، فاستمهلوه مدة عينوها ، فأجابهم إلى المهلة بعد أن قرر عليهم ستة آلاف دينار تحمل إليه مقاطعة ، وكانت قبل ذلك ألفي دينار ، ورحل عنها الى بيت المقدس للحج.
وفي هذه السنة وردت الأخبار بظهور الكرج على بلاد (٢) كنجة (٩٢ و) وما قاربها ، وأكثروا العيث والفساد في نواحيها ، وانتهى الخبر بذلك إلى السلطان غياث الدنيا والدين محمد بن ملك شاه ، فأنهض إليهم عسكرا وافر العدد ، فأوقع بهم وشردهم ، وعن الفساد والعيث أبعدهم بالفتك فيهم ، وطردهم ودوخ بلادهم ، وأخرب أعمالهم ، فأمن أهل بلاد كنجة من شرهم ، وقامت الهيبة بإهلاكهم ، وعاد العسكر السلطاني ظافرا غانما.
__________________
(١) زيد ما بين الحاصرتين كيما يستقيم السياق حيث أن النص ألم به سقط.
(٢) هي وراء أرمينية العليا ، وهي من مشهور بلاد أران (اللان) على مرحلتين من برذعة. تقويم البلدان : ٤٠٤ ـ ٤٠٥.