البلد ، ولم يدافع عنه مدافع ، ولا مانع دونه ولا ممانع ، ونهب وأسر منه الخلق الكثير ، وأخذ في الجملة منير الدولة الوالي وخواصه وأجناده وحملوا الى مصر في يوم الرابع عشر من جمادى (١) سنة ست وثمانين وأربعمائة وقطع على أهل البلد ستون ألف دينار أجحفت بأحوالهم ، واستغرقت جلّ أموالهم ، ولما وصل الوالي منير الدولة ومن معه من أجناده وأصحابه ، تقدم أمير الجيوش بضرب أعناقهم ففعل ذلك ، ولم يعف عن واحد منهم.
وفي هذه السنة وردت الأخبار من العراق بابطال مسير الحاج لأسباب دعت إلى ذاك ، والخوف عليهم في مسيرهم ، وسار الحاج من دمشق والشام في هذه السنة صحبة الأمير الخاني أحد مقدمي أتراك السلطان (٦٨ ظ) تاج الدولة بعد العقد له بولايته ، وتأكيد خطابه بحمايتهم ووصيته ، فلما وصلوا وقصدوا مناسكهم وفروض حجهم ، تلوموا عن الانكفاء أياما خوفا من أمير الحرم ابن أبي شيبة (٢) إذ لم يصل إليه من جهتهم ما يرضيه ، فلما رحلوا من مكة تبعهم في رجاله ، ونهبهم قريبا من مكة ، فعادوا إلى مكة ، وشكوا إليه وتضوروا لديه مما نزل بهم مع بعد دارهم ، فرد عليهم البعض من جمالهم ، وقتل في الوقعة أخو الأمير الخاني المقدم ، فلما أيسوا من رد المأخوذ لهم ساروا من مكة عائدين على أقبح صفة ، فحين بعدوا عنها ظهر عليهم قوم من العرب من عدة جهات ، فأحاطوا بهم فصانعوهم على ما دفعوه إليهم ، هذا بعد أن قتل من الحجاج جماعة وافرة ، وهلك قوم بالضعف والانقطاع ، وجرى عليهم من العرب المكروه ، وعاد السالم منهم على أقبح حال ، وأكسف بال.
__________________
(١) لم يبين أي الجمادين الأولى أم الثانية؟
(٢) كان شريف مكة هو الأمير تاج المعالي محمد بن جعفر ، هاشمي من بني موسى الجون ، حسني علوي ، قيل بأنه مات سنة ٤٨٧. انظر عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ، لأحمد بن علي الداودي. ط. بيروت دار الحياة : ١١١ ـ ١١٢.