وفي يوم الثلاثاء العاشر من جمادى الأولى من السنة جاءت زلزلة عظيمة بفلسطين ، هدمت أكثر دور الرملة وسورها ، وتضعضع جامعها ، ومات أكثر أهلها تحت الردم ، وحكي أن معلما كان في مكتبه به تقدير مائتي صبي وقع المكتب عليهم ، فما سأل أحد عنهم لهلاك أهليهم ، وإن الماء طلع من أفواه الآبار لعظم الزلزلة ، وهلك في بانياس تحت الردم نحو من مائة نفس ، وكذلك في بيت المقدس ، وسمع في أيار من هذه السنة رعدة هائلة ما سمع بأعظم منها ولا بأهول من صوتها ، فغشي على جماعة من الرجال والنسوان والصبيان ، وطلع في أثرها سحاب هائل ، ووقع منه برد شديد الوقع أهلك كثيرا من الشجر ، وجاء معه سيل عظيم في بلد الشام قلع ما مر به من الشجر والصخر ، حكي أن ارتفاعه بوادي بني عليم (١) نحوا من ثلاثين ذراعا ، وأنه سحب صخرة عظيمة لا يقلّها خمسون رجلا ذهب بها ، فلم يعرف مستقرها.
وفيها ورد الخبر بقيام ناصر الدولة أبي علي الحسن بن حمدان في جماعة من قواد الأتراك وأمراء مصر على المستنصر بالله بمصر ، وأخذهم شيئا كثيرا من المال اقتسموه ، وكان أمير الجيوش بدر في مبدأ أمره مقيما بالشام ، مظهرا لطاعة المستنصر بالله ، والموالاة له ، والميل إليه ، إلا أنه لا يتمكن من نصرته ، ولا يجد سبيلا إلى مؤازرته ومعاضدته ، وزحف المذكورون إلى دار وزيره
__________________
حازم ، وأن يسير في الليل ، فلم يقبل ، وسار بارز طغان إلى حلة بدر بن حازم وقال : جئنا لتذم لنا ولمن معنا ، فقال : ومن معكم؟ قالوا : الشريف ابن أبي الجن ، فقال : ذم الله لكم إلّا الشريف فانه لا بد من حمله إلى أمير المؤمنين ، وسار إليه وقبض عليه ، ومضى به إلى عكا ، فباعه بذهب وخلع واقطاع ، فأركبه أمير الجيوش جملا وقتله أقبح قتلة ، ثم سلخ جلده ، وقيل سلخه حيا ، وصلبه. ولعن أهل الشام بدر بن حازم والعرب ، وقالوا : ما هذه عادتهم ، ولقد كان الشريف من أهل الديانة والصيانة والعفة والأمانة ، محبا لأهل العلم ، واصطناع المعروف».
(١) على مقربة من دير سمعان المشهور بنواحي حلب. انظرة زبدة الحلب : ١ / ٤٧.