معنى قوله : (اسْتَوى) أقبل على خلق العرش وعمد إلى خلقه ، فسماه استواء ، كقوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) (فصّلت : ١١) أي قصد وعمد إلى خلق السماء فكذا هاهنا ، قال : وهذا القول مرضيّ عند العلماء ليس فيه تعطيل ولا تشبيه.
قال الأشعريّ : (عَلى) هنا بمعنى «في» كما قال تعالى : (١) [عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ (البقرة : ١٠٢) ومعناه أحدث الله في العرش فعلا سماه استواء ، كما فعل فعلا سماه فضلا ونعمة ، قال تعالى] (١) : (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ* فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً) (الحجرات : ٧ و ٨) فسمى التحبيب والتكريه فضلا ونعمة. وكذلك قوله : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ) (النحل : ٢٦) أي فخرب الله بنيانهم ، وقال : (فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) (الحشر : ٢) أي قصدهم. وكما أن التخريب والتعذيب سمّاهما إتيانا ؛ فكذلك أحدث فعلا بالعرش سماه استواء.
قال : وهذا قول مرضيّ عند العلماء لسلامته من التشبيه والتعطيل ، وللعرش خصوصية ليست لغيره من المخلوقات ، لأنه أول خلق الله وأعظم ، والملائكة حافّون به ، ودرجة الوسيلة متصلة به ، وأنه سقف الجنة ، وغير ذلك.
وقوله تعالى : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) (المائدة : ١١٦) قيل : النفس هاهنا الغيث ، تشبيها له بالنفس ، لأنه مستتر كالنفس.
قوله : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) (آل عمران : ٢٨) أي عقوبته. وقيل : يحذركم الله إياه.
قوله تعالى : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) (الأنعام : ٣) اختار البيهقيّ [أن] (٢) معناه أنه المعبود في السموات والأرض ، مثل قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) (الزخرف : ٨٤) وهذا القول هو أصحّ الأقوال. وقال الأشعري في «الموجز» (٣) : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ) (الأنعام : ٣)
__________________
(١) ساقط من المخطوطة.
(٢) ليست في المطبوعة.
(٣) كتاب «الموجز» للإمام الأشعري ذكره ابن عساكر في تبيين كذب المفتري ص ١٢٩ ، وقال : (يشتمل على