وبهذا يزول الإشكال المشهور في أنّه : كيف يصح خطابه صلىاللهعليهوسلم مع ثبوت عصمته عن ذلك كله؟ ويجاب أيضا بأن ذلك على سبيل الفرض ، والمحال يصحّ فرضه لغرض. والتحقيق أن هذا ونحوه من باب خطاب العام من غير قصد شخص معين ؛ والمعنى اتفاق جميع الشرائع على ذلك. ويستراح حينئذ من إيراد هذا السؤال من أصله.
وعكس هذا أن يكون الخطاب (١) عاما ، والمراد الرسول ، قوله : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ ...) [الآية] (٢) (الأنبياء : ١٠) بدليل قوله في سياقها : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس : ٩٩).
وأما قوله في سورة الأنعام : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) (الآية : ٣٥) فليس من هذا الباب. قال ابن عطية : «ويحتمل أن يكون التقدير : (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) في ألا تعلم أن الله لو شاء لجمعهم. ويحتمل أن يهتم بوجود كفرهم الذي قدّره الله وأراده». ثم قال : «ويظهر تباين ما بين قوله تعالى لمحمد صلىاللهعليهوسلم : (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) وبين قوله عزوجل لنوح عليهالسلام : (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) (هود : ٤٦) وقد تقرر أن محمدا صلىاللهعليهوسلم أفضل الأنبياء. وقال مكّي والمهدويّ : الخطاب بقوله : (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) (الأنعام : ٣٥) للنبي صلىاللهعليهوسلم ، والمراد أمته (٣) ، وهذا ضعيف ولا يقتضيه اللفظ. وقال قوم : وقّر نوح عليهالسلام لسنّه وشيبه. وقال قوم : جاء الحمل على النبي صلىاللهعليهوسلم لقربه من الله ومكانته ، كما يحمل العاتب على قريبه أكثر من حمله على الأجانب. قال : والوجه القويّ عندي في الآية هو أنّ ذلك لم يجيء بحسب النبيين ، وإنما جاء بحسب الأمر من الله ، ووقع النبي عنهما والعقاب (٤) فيهما».
(التاسع عشر) خطاب الاعتبار كقوله تعالى حاكيا عن صالح لما هلك قومه : (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ)
__________________
كله باطل وجهل من المفسرين الذين لم يتحققوا الدين وذلك أن أمية والوليد كانا بمكة وابن أم مكتوم كان بالمدينة ، ما حضر معهما ولا حضرا معه ، وكان موتهما كافرين أحدهما قبل الهجرة والآخر في بدر ولم يقصد قط أمية المدينة ولا حضر عنده مفردا ولا مع أحد». (أحكام القرآن ٤ / ١٩٠٦). وانظر تفسير القرطبي ١٩ / ٢١٢.
(١) في المطبوعة (المراد).
(٢) ليس في المطبوعة.
(٣) في المخطوطة (منه).
(٤) في المخطوطة (والعتاب).