الأسلوب الأول : التأكيد
والقصد منه الحمل على ما لم يقع ، ليصير واقعا ، ولهذا لا يجوز تأكيد الماضي ولا الحاضر ، لئلا يلزم تحصيل الحاصل ؛ وإنما يؤكد المستقبل ، وفيه مسائل :
(الأولى) : جمهور الأمة على وقوعه في القرآن والسنة. وقال قوم : ليس فيهما تأكيد ولا في اللغة ؛ بل لا بد أن يفيد معنى زائدا على الأول. واعترض الملحدون على القرآن والسنّة بما فيهما (١) من التأكيدات ، وأنه لا فائدة في ذكرها ؛ وأن من حق البلاغة في النظم إيجاز اللفظ واستيفاء المعنى ، وخير الكلام ما قلّ ودلّ ولا يملّ ، والإفادة خير من الإعادة ، وظنوا أنه إنما يجيء لقصور النفس عن تأدية المراد بغير تأكيد ؛ ولهذا أنكروا وقوعه في القرآن.
وأجاب الأصحاب بأنّ القرآن نزل على لسان القوم وفي لسانهم التأكيد والتكرار ، وخطابه أكثر ؛ بل هو عندهم معدود في الفصاحة والبراعة ، ومن أنكر وجوده في اللغة فهو [مكابر] (٢) إذ لو لا وجوده لم يكن لتسميته تأكيدا فائدة ، فإن الاسم لا يوضع إلا لمسمى معلوم لا فائدة فيه ، بل فوائد كثيرة كما سنبينه.
(الثانية) : حيث وقع فهو حقيقة ، وزعم قوم أنه مجاز ، لأنه لا يفيد إلا ما أفاده المذكور الأول (٣) ، حكاه الطرطوشي (٤) في «العمد» ثم قال : ومن سمّى التأكيد مجازا؟ فيقال له : إذا كان التأكيد بلفظ الأول ، نحو عجّل عجّل ونحوه ، فإن جاز أن يكون الثاني مجازا جاز في الأول ، لأنهما في لفظ واحد ، وإذا بطل حمل الأول على المجاز بطل حمل الثاني عليه ، لأنه قبل الأول.
(الثالثة) : أنه خلاف الأصل ؛ فلا يحمل اللفظ على التأكيد إلا عند تعذّر حمله على (٥) مدة محددة (٥).
__________________
(١) في المخطوطة (فيه).
(٢) زيادة يقتضيها السياق.
(٣) في المخطوطة (لأول).
(٤) تصحفت في المطبوعة إلى (الطرطوسي في العمدة) والصواب ما أثبتناه وانظر ٢ / ٤١٢.
(٥) في المخطوطة (فائدة مجددة).