فإذا نصبت ، فعلى المعنيين كما قلنا ، هذا ما لم يقع قبل الفعل الذي يكون سببا حرف النفي ، أو يقل أو يكثر ، فإن وقع قبل الفعل حرف النفي ، فقلت : «ما سرت حتى أدخل المدينة» ، فالنصب لم يذكر سيبويه ، رحمهالله ، غيره ، قال : لأنّ الرفع إنّما يكون على معنى السبب ، وعدم السير لا يكون موجبا للدخول ، إذ لا يتصوّر : ما سرت فكان عدم السير مؤدّيا إلى أن دخلت أو إلى أنّي داخل الآن.
وزعم الأخفش أنّ الرفع جائز ، لا على أن يكون عدم السير سببا للدخول. هذا ما لا يقوله أحد ، وإنما يكون على نفي معنى السير والدخول ، فيكون أبدا واجبا ، فإذا قال قائل : «قد سرت فدخلت» ، قلت له : «ما سرت فدخلت». فإذا قال : «قد سرت فأنت داخل» ، قلت له : «ما سرت فأنا داخل الآن» ، وهذا حسن جدا.
وينبغي أن لا يعد هذا خلافا بين الأخفش وسيبويه ، لأنّ سيبويه ، رحمهالله ، إنّما منع الرفع بتقدير أنّ السير يكون عدمه سببا للدخول ولم يتكلم في هذا ، فذا أولى أن يلتمس لهما.
فإن قلّلت الفعل أو كثرته ، فقلت : «قلّما سرت أو كثر ما سرت حتى أدخل» ، كان الرفع مع التكثير أحسن من النصب ، لأنّك قد قويت السبب ، والرفع أبدا إنّما يكون على السببية.
وإن قلّلت كان النصب أحسن ، لأنّه يكون على غير معنى السببية ، فحيث يكثر السبب يقوى الرفع. وحيث يضعف السبب ويقل يضعف الرفع. فهذا معنى «حتى» وعملها بالنظر لمذهب أهل البصرة.
وينبغي أن يعلم أنّ السببي هو أن يكون فاعل الفعل الذي بعد «حتى» فاعل الفعل الذي قبلها ، نحو : «سرت حتى أدخل» ، فإن لم يكن كذلك لم يكن سببا إلّا أن يكون اللفظ مشعرا ، فتقول : «سرت حتى تطلع الشمس» ، فهذا ليس بسببي ، وتقول : «سرت حتى تدخل راحلتي تكلّ مطيّتي».
فإن قلت : «سرت حتى يدخل عبد الله» ، لم يكن سببا إلّا إن أردت ذلك ، فيكون