إذا قلت : «لا إله إلا الله وحده» ، لم يصح أن تقدّر أفردته بذلك ، لأنّك لا تفرده ، بل هو الذي انفرد سبحانه ، وكذلك قوله [من المنسرح] :
٥٥١ ـ والذئب أخشاه إن مررت به |
|
وحدي [وأخشى الرياح والمطرا] |
يريد منفردا.
وأمّا «ثلاثتهم» و «أربعتهم» ، فزعم الخليل ، رحمهالله ، أنّك إذا نصبت قلت : «مررت بالقوم ثلاثتهم» ، فالمعنى : مررت بهؤلاء فقط لم تجاوزهم ، ومرادك بذلك أنّك لم تمر بغيرهم وقت مرورك بهم.
وإذا جررت فلم تتعرض لأنك لم تمر بغيرهم ، بل يحتمل أنك مررت بهم ، ولم يكن معهم غيرهم ، ويحتمل أن يكون معهم غيرهم. فمقتضى الخبر أنّهم كانوا ثلاثة ومررت بهم.
وهل كان معهم غيرهم أو لا؟ ليس في اللفظ تعرض لذلك على ما بيّن. وذلك أنك إذا نصبت ، فإنّما تنصب على الحال ، وكأنك قلت : مررت بهم في حال أنّهم ثلاثة ، فمحال أن يكون معهم غيرهم ، ولا يكون الكلام كذبا ، فالحال اقتضت هذا المعنى.
__________________
٥٥١ ـ التخريج : البيت للربيع بن ضبع الفزاريّ في أمالي المرتضى ١ / ٢٥٦ ؛ وحماسة البحتري ص ٢٠١ ؛ وخزانة الأدب ٧ / ٣٨٤ ؛ والدرر ٥ / ٢٢ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٣٦ ؛ والكتاب ١ / ٩٠ ؛ ولسان العرب ١٣ / ٢٥٩ (ضمن) ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٣٩٧ ؛ ونوادر أبي زيد ص ١٥٩ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٧ / ١٧٣ ؛ والرد على النحاة ص ١١٥ ؛ والمحتسب ٢ / ٩٩.
الإعراب : «والذئب» : الواو بحسب ما قبلها ، «الذئب» : مفعول به لفعل محذوف يفسّره الفعل المذكور بعده ، تقديره : «وأخشى الذئب أخشاه». «أخشاه» : فعل مضارع مرفوع ، والهاء ضمير في محلّ نصب مفعول به ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : «أنا». «إن» : حرف شرط جازم. «مررت» : فعل ماض ، والتاء ضمير في محلّ رفع فاعل ، وهو فعل الشرط. «به» : جار ومجرور متعلّقان بـ «مررت». «وحدي» : حال منصوبة ، وهو مضاف ، والياء ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «وأخشى» : الواو حرف عطف ، «أخشى» : فعل مضارع مرفوع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : «أنا». «الرياح» : مفعول به. «والمطرا» : الواو حرف عطف ، «المطرا» : معطوف على الرياح منصوب ، والألف للإطلاق.
وجملة : «أخشى» المحذوفة بحسب ما قبلها. وجملة : «أخشاه» تفسيرية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «إن مررت به أخشاه» الشرطية استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة : «أخشاه» المحذوفة جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء أو بـ «إذا» لا محل لها من الإعراب. وجملة : «أخشى» معطوفة على جملة «أخشاه».
الشاهد : قوله : «وحدي» حيث أراد بها القول «منفردا» وهذا يؤكد زعم المبرد.