قال : فهو قد حكى قوله : «يا لهف» ، ولو لم يكن على الحكاية لقال : بلهف. فهو قد حكى قوله قبل هذا على أنّه قال : يا لهف ، وإلّا فما الذي حكى؟ وهذا غير مرضيّ ، لأنّ ما ذكرنا من القياس يدفعه ، ولا يحفظ إلّا في هذا خاصة مع أنّه لا دليل فيه ، ألا ترى أنّه يمكن أن يكون قد حذف الألف ضرورة ، كما قال الشاعر [من الرجز] :
٥١٣ ـ أقبل سيل جاء من عند الله |
|
[يحرد حرد الجنّة المغلّه] |
فالصحيح أنّه ليس فيه إلّا خمس لغات كما ذكرت لك.
وهل يجوز هذا في غير النداء أو لا ، مسألة خلافية.
أما «غلام» ، و «غلاما» ، و «غلام» فجائزات كلّها ، فتقول : «جاء غلام» ، وتجتزىء
__________________
الشاهد فيه قوله : «بلهف» و «بليت» فإن كلّا منهما منادى بحرف نداء محذوف ، وأصل كلّ منهما مضاف إلى ياء المتكلّم ، ثمّ قلبت ياء المتكلّم في كلّ منهما ألفا بعد أن قلبت الكسرة التي قبلها فتحة ، ثمّ حذفت من كلّ منهما الألف المنقلبة عن ياء المتكلّم ، واكتفي بالفتحة التي قبلها. وهذا ممّا أجازه الأخفش مستدلّا بهذا البيت على ما ذهب إليه من الجواز.
٥١٣ ـ التخريج : الرجز لقطرب في خزانة الأدب ١٠ / ٣٥٦ ؛ وسمط اللآلي ص ٣١ (ونسب ، أيضا ، كما في هامش هذا الكتاب إلى حسان بن ثابت وحنظلة بن مصبح) ؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ١٦٠ ، ٥٠١ ، ٩٦٢ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ص ٧٢١ ؛ ولسان العرب ٣ / ١٤٥ (حرد) ، ١١ / ٥٠٤ (غلل) ؛ ومعجم ما استعجم ص ٧٨٥.
اللغة : يحرد حرده : يقصد قصده ، ويأتي نحوه. المغلّة : التي تعطي الغلّة وهي الدّخل الذي تحصل عليه من الزرع والثمر والنتاج ... الخ.
المعنى : لقد جاء السيل قادما نحو الجنّة التي تعطي الخير ، والله ـ جلّ وعزّ ـ هو من أرسله إلينا.
الإعراب : أقبل : فعل ماض مبني على الفتح. سيل : فاعل مرفوع بالضمّة. جاء : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). من عند : جار ومجرور متعلقان بـ (جاء). الله : لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور بالكسرة ، وسكّن لضرورة القافية. يحرد : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). حرد : مفعول مطلق منصوب بالفتحة. الجنة : مضاف إليه مجرور بالكسرة. المغلة : صفة (الجنة) مجرورة بالكسرة ، وسكّنت لضرورة القافية.
وجملة «أقبل» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «جاء» : في محلّ رفع صفة لـ (سيل). وجملة «يحرد» : في محلّ نصب حال.
والشاهد فيه قوله : «من عند الله» حيث حذف الألف الملفوظة في لفظ الجلالة بعد اللام لضرورة الوزن.