لا كليا له أفراد ، كما فصلنا سابقا في مثال الياقوتة حيث أوردنا الكلام على العلّامة التفتازاني فلا نحتاج إلى الإعادة ، وظنّي أنّ منشأ كلام العلّامة التفتازاني ليس إلّا كلام الفاضل الطيّبي ، تأمّل وتدبّر.
وقد يجاب بوجوه أخر في غاية الضّعف ونهاية الزّيف ، أوردها العلّامة التفتازاني في شرح الكشاف وبيّن ما فيها ، رأينا أن ننقلها على ما هي عليها استيعابا للأقوال ، وليكون للمتأمّل في هذه الآية زيادة بصيرة :
«الأوّل : أنّه إذا تعلّه ب (فأتوا) فمن للابتداء قطعا ، إذ لا مبهم يبيّن ، ولا سبيل إلى البعضية لأنه لا معنى لإتيان البعض ، ولا مجال لتقدير الباء مع «من» ، كيف وقد ذكر المأتيّ به صريحا وهو السورة؟ وإذا كانت «من» للابتداء تعيّن كون الضمير للعبد لأنّه المبدأ للإتيان لا مثل القرآن ، وفيه نظر لأنّ المبدأ الذي تقتضيه من الابتدائية ليس الفاعل حتى ينحصر مبدأ الإتيان بالكلام في المتكلّم ، على أنّك إذا تأمّلت فالمتكلّم ليس مبدأ للإتيان بكلام غيره بل بكلام نفسه ، بل معناه أنّه يتصل به الأمر الذي اعتبر له ابتداء حقيقة أو توهّما ، كالبصرة للخروج والقرآن للإتيان بسورة منه.
الثاني : أنّه إذا كان الضمير لما نزلنا ومن صلة فأتوا كان المعنى : فأتوا من منزّل مثله بسورة ، فكان مماثلة ذلك المنزّل بهذا المنزّل هو المطلوب ، لا مماثلة سورة واحدة منه بسورة من هذا ، وظاهر أنّ المقصود خلافه كما نطقت به الآي الأخر ، وفيه نظر لأنّ إضافة المثل إلى المنزّل لا تقتضي أن يعتبر موصوفه منزّلا ، ألا ترى أنّه إذا جعل صفة سورة لم يكن المعنى بسورة من منزّل مثل القرآن بل من كلام العرب ، وكيف يتوهم ذلك والمقصود تعجيزهم عن أن يأتوا من عند أنفسهم بكلام من مثل القرآن؟ ولو سلم فما ادّعاه من لزوم خلاف المقصود غير بيّن ولا مبيّن.
الثالث : أنّها إذا كانت صلة فأتوا كان المعنى : فأتوا من عند المثل ، كما يقال : ائتوا من زيد بكتاب ، أي : من عنده ، ولا يصحّ ائتوا من عند مثل القرآن بخلاف مثل العبد ، وهذا أيضا بيّن الفساد» انتهى.
وقد ألهمت بحلّ الكلام في فناء بيت الله الحرام ما إذا تأمّلت فيه عسى أن يتّضح المرام ، فأقول وبالله التوفيق وبيده أزمّة التحقيق : إنّ الآية الكريمة ما أنزلت إلا للتحدي ، وحقيقة التحدي هو طلب المثل ممّن لا يقدر على الإتيان به ، فإذا قال المتحدّي : ائتوا بسورة بدون قوله : من مثله ، كلّ أحد يفهم منه أنّه يطلب سورة من مثل القرآن ، وإذا قال : ائتوا من مثله بدون قوله بسورة كل أحد يفهم منه أنه يطلب