المستفادة من ملحوظة على وجه البدليّة ، ويكون الفعل واقعا عليه فيكون في حيّز الباء ، وإن لم يكن تقدير الباء عليه إذ قد يحتمل في التابعية ما لا يحتمل في المتبوعيّة ، كما في قولهم : ربّ شاة وسخلتها ، لا بدّ لنفي هذا من دليل ، ثم على تقدير التسليم نقول : قوله : لأنّ المعتبر في مبدئية الفعل المبدأ الفاعلي إلى آخره ، محلّ بحث لأنّ التعميم الذي في قوله : أو جهة يلتبس بها غير منضبط ، فإن جهات التلبّس أكثر من أن تحصر من جهة الكمية ، ولا تنتهي إلى حدّ من الحدود من جهة الكيفية ، ولا يخفى أنّ كون مثل القرآن مبدأ ماديا للسورة من جهة التلبّس أمر يقبله الذهن السليم والطبع المستقيم ، على أنّك لو حققت معنى من الابتدائية يظهر لك أن ليس معناه إلّا أن يتعلّق به على وجه اعتبار المبدئية الأمر الذي اعتبر له ابتداء حقيقة أو توهّما.
وقد ذكر العلّامة التفتازاني كلام الكشاف للردّ ، وقال في أثناء الردّ : «على أنّ كون مثل القرآن مبدأ ماديا للإتيان بالسورة ليس أبعد من كون مثل العبد مبدأ فاعليا له». انتهى.
وأقول : لا يخفى أنّ مثل العبد باعتبار الإتيان بالسورة منه هو مبدأ فاعلي للسورة حقيقة لأنّه لو فرض وقوعه لا يكون العبد مؤلفا لمثل السورة مخترعا له فيكون مبدأ فاعليا حقيقيا ، وأمّا مثل القرآن فلا يكون مبدأ ماديّا للسورة إلّا باعتبار التلبّس المصحّح للتشبيه ، فهو أبعد منه غاية البعد ، بل ليس بينهما نسبة ، فإنّ أحدهما بالحقيقة والآخر بالمجاز ، وأين هذا من ذلك؟ نعم كون مثل القرآن مبدأ ماديا ليس بعيدا في نظر العقل باعتبار التلبّس ، تأمّل وأنصف.
قال الفاضل الطّيبي : «لا يقال : إنّ جعل من مثله صفة لسورة ، فإن كان الضمير للمنزّل فهي للبيان ، وإن كان للعبد فمن للابتداء ، وهو ظاهر ، فعلى هذا إن تعلّق قوله : من مثله بقوله : فأتوا فلا يكون الضمير للمنزّل لأنّه يستدعي كونه للبيان ، والبيان يستدعي تقديم مبهم ولا تقديم ، فتعيّن أن تكون للابتداء لفظا أو تقديرا ، أي : أصدروا وأنشئوا واستخرجوا من مثل سورة ، لأنّ مدار الاستخراج هو العبد لا غير ، فلذلك تعيّن في الوجه الثاني عود الضمير إلى العبد ، لأنّ هذا وأمثاله ليس بواف ، ولذلك تصدّى للسؤال بعض فضلاء الدهر وقال : «قد استبهم قول صاحب الكشّاف حيث جوّز في الوجه الأول كون الضمير لما نزّلنا تصريحا ، وحظره في الوجه الثاني تلويحا ، فليت شعري ما الفرق بين «فأتوا بسورة كائنة من مثل ما نزلنا» و «فأتوا من مثل ما نزّلنا بسورة» ، وأجيب : إنك إذا اطلعت على الفرق بين قولك