«عزب يعزب ويعزب : إذا غاب ونأى ، وهما لغتان ، ومنه الأرض العازبة ، والرّوض العازب : البعيد. والوجه في رفع (أصغر) الابتداء ، فهو كلام مستقلّ بنفسه والنصب على نفي الجنس.
وقال أبو عليّ في الرّفع : هو حمل على موضع الجارّ والمجرور في (من مثقال) وهو رفع كما في (كفى بالله).
وقال في النّصب : إنّه معطوف على لفظ (مثقال) أو (ذرّة) إلّا أنّه لا ينصرف ، للصّفة والوزن ، تابعه على ذلك الجميع فيصير التقدير على ذلك : لا يعزب عنه شيء إلّا في كتاب وهذا فاسد» انتهى.
وليس ما ذكره أبو عليّ بفاسد إذا جعلنا الاستثناء من محذوف ، أو منقطعا كما هو الجوابان الباقيان وكأنّ الحامل لأبيّ عليّ الفارسي على ذلك بالنّصب أيضا لنفي الجنس فلمّا كان العطف هو المقصود واتّفقت السّبعة هناك على الرّفع عطفا على مثقال ، واختلفوا في آية يونس نظرا إلى اختلاف حالتي العطف وهذا الحال ضعيف.
وكان أراد بعض من حضر أن يقرّره بعكسه. وجوابه : أنّ القراءة سنّة متّبعة فلا يلزم من الاتّفاق في موضع حمل المختلف فيه عليه لوجود المانع هنا مع الاتّصال. على أنّ في آية سبأ تخريجا قاله الزّمخشري يأتي إن شاء الله تعالى.
ولنعد إلى الكلام على الجوابين الأخيرين فنقول : وعلى الانقطاع جرى جمع من المعربين ، وجزم به العكبري في إعرابه فقال : («وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ) بفتح الرّاء في موضع جرّ لذرّة أو لمثقال على اللّفظ ويقرآن بالرّفع حملا على موضع (من مثقال) إلّا في كتاب (أي : إلّا هو في كتاب) والاستثناء منقطع» (١) وقدّمه صاحب تبصرة المتذكّر فقال : («إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) منقطع.» وقال على الذي جزم به الزّمخشري : «وزعم بعضهم : (ولا أصغر) إلا (مبين) جملة مستقلّة بنفسها وجعل الاستثناء متّصلا وفتح (ولا أصغر) و (لا أكبر) على نفي الجنس ورفعهما على الابتداء. فعلى هذا ينبغي أن يقف على (في السماء)».
والقول بأنّ الاستثناء منقطع هل يرد ، وهل وقع في القرآن العظيم أم لا ، وهي مسألة معروفة لا نطيل بذكرها :
وأمّا الجواب الآخر وهو أن يكون الاستثناء من محذوف فتقديره : ولا شيء إلّا
__________________
(١) انظر إملاء ما منّ به الرحمن (٢ / ١٧).