الثاني : أنّها للعدد مطلقا قليلا كان أو كثيرا ، وهو قول سيبويه والخليل ومن تابعهما واختاره ابن خروف.
وممّن نقل ذلك عن سيبويه الأستاذ أبو بكر بن طاهر ، وذلك ظاهر من كلامه ، فإنّه قال : هذا باب ما جرى مجرى (كم) في الاستفهام ، وذلك قولك : «له كذا وكذا درهما» ، وهو مبهم من الأشياء بمنزلة (كم) ، وهو كناية للعدد ، صار ذا بمنزلة التنوين. وقال الخليل : «كأنّهم قالوا : له كالعدد درهما» (١).
الثالث : أنّها بمنزلة ما استعملت استعماله من الأعداد الصريحة فيقال : «له كذا دراهم» فتكون للثّلاثة فما فوقها إلى العشرة ، و «.... كذا كذا درهما» فتكون للأحد عشر فما فوقها إلى التسعة عشر و «... كذا درهما» فتكون للعشرين وأخواتها من العقود إلى التّسعين ، و «كذا وكذا درهما» ، فتكون لأحد وعشرين وما فوقها من الأعداد المتعاطفة إلى التّسعة والتّسعين ، و «كذا درهم» فيكون للمائة وللألف وما فوقهما. فإذا أقرّ مقرّ بكلام فيه (كذا) ألزمناه بالمتيقّن ، وهو أوّل مرتبة من المراتب المشروحة ، وحلّفناه في الباقي. وهذا قول الكوفيّين وتبعهم جماعة منهم ابن معط في (فصوله) (٢).
الرابع : أنّ الأمر كما قالوا إلّا في مسألتي الإضافة فإنّهما ممتنعان لما قدّمنا من التّعليل ، فإن أردت العدد القليل أو المائة أو الألف وما فوقهما قلت : «كذا من الدّراهم» ، ويقدّر عند أهل هذا القول الفرق بين العدد القليل والمائة والألف لأنّ (من) إنّما تدخل على العدد المجموع المعرّف ، تقول : «عشرون من الدّراهم» ولا يجوز «عشرون من دراهم» وهذا قول المبرّد والأخفش وابن كيسان والسّيرافي. وبه قال الشّلوبين وابن عصفور والصّفّار. والذي جرّأهم على القول بذلك أبو محمّد بن السيّد ، فإنّه حكى اتفاق البصريّين والكوفيّين على ذلك ، وأنّ الخلاف إنّما هو في جواز الخفض ، نحو : كذا درهم ، وكذا دراهم. والبصريّون يمنعون والكوفيّون يجيزون. وفي كلام أبي البقاء في (شرح الإيضاح) ما هو أبلغ من هذا ، فإنّه قال : «وذهب معظم النحويّين وأصحاب الرّأي إلى أنّ من قال : «كذا درهما» ، لزمه عشرون درهما ، لأنّك لم تكرّر العدد ، ولم تعطف عليه ، ولم تضفه لتمييزه فحمل على أوّل عدد حاله ذلك فإن جررت الدّرهم ، فقد حمله النحويّون وأصحاب الرأي على (مائة)
__________________
(١) انظر الكتاب (٢ / ١٧٣).
(٢) انظر الفصول (ص ٢٤٤).