أمّا إذا أخّرت
حرف النّفي ، فإن أخّرته عن المبتدأ الذي هو الموضوع ، وقدّمته على (وحده) مع
الفعل كقولك : «زيد لم أره وحده» فهو كالحالة المتقدّمة محتمل للمعاني الثلاثة كما
سبق ؛ لأنّ النفي يقدّم على الفعل المنفيّ المقيّد بالوحدة ، فقد نفى مركّبا ،
فينتفي بانتفاء أحد أجزائه كالحالة السابقة حرفا بحرف ؛ والضابط في ذلك ما ذكرناه.
وإن أخّرته عن (وحده)
كقولك : «زيد وحده لم أره» أو : (ما رأيته) ، أو (لا أراه) ، فهذا موضع نظر
وتأمّل. والراجح عندي فيه : أنّك لم تره وقد رأيت غيره ، لأنّها قضيّة ظاهرها أنها
تشبه الموجبة المعدولة ، فقد حكمت بنفي الرّؤية المطلقة ـ التي لم تقيّد ب (وحده)
ـ على زيد المقيّد بالوحدة. هذان الأمران لا شكّ فيهما ، وبهما فارقتا (لم أره
وحده) لأنّه نفي لرؤية مقيّدة لا لرؤية مطلقة. هذا لا شكّ فيه ؛ ولكنّ النظر في
أنّ تقييد زيد ب (وحده) ، هل معنى التقييد يرجع إلى معنى زيد في ذاته أو إلى ما
حكم به عليه وهو النفي؟ هذا موضع النظر والظاهر أنّه الثاني ، وهو أنّه يفيد تقييد
الحكم وهو النفي ، فيكون نفي الرؤية مقصورا على (زيد) فمعنى (وحده) في هذه الصيغة
أنّ زيدا انفرد بعدم الرؤية المطلقة وأنّ غيره مرئيّ ؛ فقد سرى التقييد من المحكوم
عليه إلى المحكوم به. وعليك يا طالب العلم أن تضبط هذه الأمور الثلاثة وتميّز
بينها وتعرف تغايرها :
أحدها : إطلاق
الضّرب المنفيّ كما دلّ عليه الكلام.
والثاني :
تقييد المحكوم عليه الذي دلّت الصناعة عليه مع المحافظة على إطلاق الضّرب أو
الرّؤية أو نحوهما من الأفعال.
والثالث :
سريان التّقييد من المحكوم عليه إلى الحكم ، وهو النفي الوارد على الضّرب المطلق ؛
فإذا عقلت هذه الثلاثة ، وميّزت بينها ظهر لك ما قلناه.
ويحتمل أيضا ـ وهو
عندي غير راجح ـ أنّك إنّما نفيت الفعل عن المقيّد بالوحدة فيكون حاصلا للمحكوم
عليه بدونها ؛ وهو عندي ضعيف.
وبذلك تبين ضعف
قول الزمخشري ، وأنّه لو قال : معناه ولا يحملون على الأنعام وحدها ، ولكن عليها
وعلى الفلك ، سلم من هذا الاعتراض.
فإن قلت : ما
حمل الزمخشري على تقدير الحصر؟ قلت : تقدّم المعمول وما يقتضيه واو العطف من الجمع
، فقد حصر الحمل فيهما. ومن ضرورته نفي الحمل على غيرهما ، وغيرهما إما أحدهما
بقيد الوحدة لمغايرته لمجموعهما ، وإما خارج