قال : بلى لو أصبت لي أصحاباً ، فقالوا : نحن أصحابك ، فقال : لستم لي بأصحاب ، أنا أصحابي قومٌ لا يريدون الزاد ولا المزاد قالوا : سبحان الله وكيف يسافر قومٌ بلا زاد ولا مزاد ؟ فقال لهم : ألا ترون إلى الطير تغدو وتروح بلا زاد ولا مزاد والله يرزقها وهي لا تبيع ولا تشتري ولا تحرث ولا تزرع ؟ قالوا : فإنّا نسافر معك فقال لهم : تهيّأوا على بركة الله. فغدوا من غوطة دمشق ليس معهم زادٌ ولا مزاد ، فلمّا انتهوا إلى المنزل قالوا : يا أبا مسلم طعامٌ لنا وعلفٌ لدوابّنا ، فقال لهم : نعم فتنحّى بعيداً (١) فتسنّم أحجاراً (٢) فصلّى فيه ركعتين ، ثم جثا على ركبتيه فقال : إلٰهي قد تعلم ما أخرجني من منزلي ، وإنّما خرجت زائراً لك ، وقد رأيت البخيل من أولاد آدم تنزل به العصابة من الناس فيوسعهم قِرىً وإنّا أضيافك وزوّارك فأطعمنا واسقنا واعلف دوابّنا. [ قال : ] (٣) فأُتي بسفرة فمدّت بين أيديهم ، وجيء بجفنة من ثريد تبخر ، وجيء بقلّتين من ماء ، وجيء بالعلف ، لا يدرون من يأتي به ، فلم تزل هذه حالهم منذ خرجوا من عند أهاليهم حتى رجعوا لا يتكلّفون زاداً ولا مزاداً.
أخرجه الحافظ ابن عساكر في تاريخ الشام (٤) ( ٧ / ٣١٨ ).
قال الأميني : أنا لم أُفْضِ في المقام بنأمة (٥) ، وإنّما أُوجّه نظر الباحث شطر كلمة طاش كبرى زادة قال في مفتاح السعادة (٦) ( ٣ / ٣٤٥ ) : من يخوض في البراري من غير زاد لتصحيح التوكّل ؟ ذلك بدعةٌ إذ السلف كانوا يأخذون الزاد ويتوكّلون.
___________________________________
(١) في المصدر : غير بعيد.
(٢) في المصدر : فتسنّم مسجد أحجارٍ.
(٣) من المصدر.
(٤) تاريخ مدينة دمشق : ٢٧ / ٢١٦ رقم ٣٢١٣ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ١٢ / ٦١.
(٥) النأمة : الصوت ، الحركة.
(٦) مفتاح السعادة : ٣ / ٤٢٩ الدوحة السابعة.