مُراعِين طُلوعَ الشمس ، ولذلك تَطلعُ الشمسُ لا شُعاع لها مِن غَدِ تلك الليلة ، وهذا بيِّنٌ في حديث أُبيّ بن كعب وذكرِه الآية ليلة القدر.
وفي حديث آخر : أنَّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال لعليّ : «إنَّ لك بيتاً في الجنة ، وإنَّك لذو قَرنَيها».
قال أبو عبيد : كان بعض أهل العِلم يتأوَّل هذا الحديث أنَّه ذو قَرْنَي الجنَّة ، أي : ذو طَرَفَيها.
قال أبو عبيد : ولا أحسِبه أراد هذا ، ولكنه أراد بقوله : ذو قَرنَيْها ، أي : ذو قَرْنَيْ هذه الأمّة ، فأَضمَرَ الأمّة ، وكنَى عن غيرِ مذكورٍ ، كما قال الله جلَّ وعزَّ : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) [ص : ٣٢] أراد الشمسَ ولا ذِكر لها.
وقال حاتم :
أماويَّ ما يُغْنِي الثَّراء عن الفتى |
إذا حشرَجَتْ يوماً وضاقَ بها الصَّدْرُ |
يعني : النفس ، ولم يذكرها.
قال : ومما يحقّق ما قلنا أنَّه عَنى الأُمّةَ حديثٌ
يُرْوَى عن علي رضياللهعنه ، أنَّه ذَكَر ذا القَرْنين ، فقال : «دعا قومَه إلى عبادة الله فضَرَبوه على قَرْنَيه ضربتين ، وفيكم مِثلُه» فنُرَى أنه إنَّما عَنى نفسه ، يعني أدعو إلى الحقِّ حتَّى أُضْرَب على رأسي ضربتين يكون فيهما قَتْلي.
وروَى أبو عُمَر عن أحمد بن يحيى أنه قال في قول النبي صلىاللهعليهوسلم لعليّ : «وإنَّك لَذو قَرْنَيْها» : يعني جَبَلَيها وهما الْحَسن والحسَين. وأنشد :
أثَوْرَ ما أَصِيدُكم أم ثوررَيْن |
أم هذه الجَمّاءَ ذاتَ القرنينْ |
قال : قَرناها هاهنا فزّاها ، وكانا قد شَدَنا فإِذا آذاها شيءٌ دَفَعا عنها.
قال : وقال المبرّد في قوله الجمّاء : ذات القرنين ؛ قال : كان قرناها صغيرين فشبَّهها بالجُمِّ.
ومعنى قوله : «إنك لذو قرنيها» ، أي : إنك ذو قرنَيْ أمّتي كما أنَّ ذا القرنين الذي ذكره الله تعالى في القرآن كانَ ذا قرنَيْ أمَّته التي كان فيهم.
وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ما أدري ذو القرنين كان نبيّاً أم لا؟». وأمَّا القَرَن فإِنّ الحرانيّ رَوَى عن ابن السكيت أنه قال : القَرَن : السّيف والنَبْل ؛ يقال : رجل قارِنٌ : إذا كان معه سيف ونَبْل.
أبو عبيد عن الأصمعي قال : القَرَن : جعْبة من جلود تكون مشقوقةً ثم تُخرَزُ ، وإنما تُشَقّ كي تَصِل الرِيحُ إلى الريش فلا يَفْسُد.
وقال ابن شُميل : القَرَن من خَشَب وعليه أديمٌ قد غُرِّيَ به ، وفي أعلاه وعُرْض مقدَّمه فَرْجٌ فيه وشجٌ قد وُشِجَ بينه قِلاتٌ ،