فعُمل به ما عُمل ، فوالله ما عدا أنْ هلكَ فهلكَ ذكره. وإنّ أخا هاشم يُصرخ به في كلّ يوم خمس مرات : أشهد أنّ محمّداً رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فأيّ عمل يبقى بعد هذا ـ لا أُمّ لك ـ إلاّ دفناً دفناً؟! (١).
ودلّت هذه البادرة على مدى زعزعة العقيدة الدينية في نفس معاوية ، وإنّها لمْ تكن إلاّ رداءً رقيقاً يشف عمّا تحته مِن حبّ الجاهلية والتأثر بها إلى حدٍّ بعيد. وكانت النزعة الإلحادية ماثلة عند أغلب ملوك الاُمويِّين.
يقول الوليد في بعض خمرياته منكراً للبعث والنشور :
أدِر الكأس يميناً |
|
لا تدِرها ليسارِ |
اسقِ هذا ثمّ هذا |
|
صاحبَ العود النضارِ |
مِن كميتٍ عتّقوها |
|
منذُ دهرٍ في جرارِ |
ختموها بالأماويـ |
|
ـه (٢) وكافور وقارِ |
فلقد أيقنت أنّي |
|
غيرُ مبعوثٍ لنارِ |
سأروض الناس حتّى |
|
يركبوا دين الحمارِ |
وذروا مَنْ يطلب الـ |
|
جنّة يسعى لتبارِ (٣) |
وتأثّر الكثيرون مِن ولاتهم بهذه النزعة الإلحادية ، فكان الحجّاج يخاطب الله أمام الجماهير الحاشدة قائلاً : أرسولك أفضل أمْ خليفتك؟ يعني أنّ عبد الملك أفضل مِن النّبي العظيم (صلّى الله عليه وآله) (٤). وكان ينقم على الذين يزورون قبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ويقول : تبّاً لهم! إنّما يطوفون بأعواد
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٩٧.
(٢) الأماويه : مِن أنواع الطيب.
(٣) رسالة الغفران / ١٤٥.
(٤) النزاع والتخاصم للمقريزي / ٢٧ ، رسائل الجاحظ / ٢٩٧ ، العقد الفريد ٣ / ٣٥٥.